قام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بما لم يقم به غيره من قبل، فسابقة جمع رؤساء تحرير الاخبار في المحطات التلفزيونية هي خطوة تحتاج الى الجرأة اكثر منها الى الاطلاع الشامل، والى ادارة جيدة للمحاورين اكثر منها الى توحيد الشاشات اللبنانية في الوقت نفسه رغم الخلافات. في الشكل، نجح الرئيس عون في تحقيق سابقة لم يشهدها المواطنون، ارادها على ما يبدو "تحدياً" جديداً، فليس من السهل جمع رؤساء تحرير ثماني محطات تلفزيونية لبنانية لتحاوره بشكل مباشر اي دون مونتاج او اعادة نظر بما قيل، واللافت ان هذه المحطات هي صورة مصغرة عن السياسيين اللبنانيين، ما يعني ان رئيس الجمهورية كان في حقل الغام اعلامي. من حيث الشكل ايضاً، ليس من السهل ادارة ندوة على هذا المستوى، وحسناً فعل الرئيس بتكليفه الاستاذ رفيق شلالا ادارة الندوة، فهو اعلامي يعرف اصول المهنة واسرارها، وعلاقته جيدة مع الجميع، ما يسمح له بالتواصل معهم كما يجب، ناهيك عن انه من متطلبات ندوة تضم ثماني رؤساء تحرير لا تجمعهم افكار سياسية واحدة، انجاحها وعدم الوصول الى "فضيحة" قد تؤدي الى فشل البرنامج بكامله لجهة اي اشكال قد يطرأ او انسحاب قد يقوم به احد المحاورين.
هذا في الشكل اما في المضمون، فبدا واضحاً ان الرئيس عون حمل معه صفات "المغوار" ودخل المعركة، لذلك وفق ما بدا، كان مرتاحاً لانه استذكر ربما تاريخه العسكري الذي يضعه في بيئة يتآلف معها، وهو لم يتهرب من الجواب على اي سؤال، ولم يعمد الى مناقضة نفسه من اول البرنامج الى آخره، وحمل اكثر من رسالة وجهها بشكل مباشر الى الجميع.
وحتى في المواضيع التي من شأنها تشكيل احراج له، تمكن عون من تخطيها برؤية موضوعية على غرار العلاقة مع ايران، رغم اصرار محاوريه على وضعه لبنان اما مع السعودية او مع ايران، فكان جوابه منطقيا ومقنعا، وشدد بدوره على التزامه الجانب اللبناني وعلى اولوية الوحدة الوطنية التي تحفظ لبنان.
هذا الحال ايضاً واجهه بقوة في ما خص حزب الله وطرح البعض "التخلص منه" ليتعافى لبنان، وهو ما نقله عدد من المحاورين، فكان جواب عون واضحاً ان لبنان لا يحتمل اي هزة داخلية في استقراره كرمى لعيون اي دولة او احد، وان حل "مشكلة" حزب الله وسلاحه يكون من خلال حل الوضع في المنطقة لانه الوحيد الكفيل بتفكيك كل العقد وتأمين كل الضمانات اللازمة للجميع، وليس ضمانات جزئية قد تنتهي مع انتهاء مصلحة من وضعها، اي بمعنى آخر، فليتفضل من يريد نزع السلاح ان يقوم بالعمل بنفسه بدل دفع اللبنانيين الى تخريب بلدهم بأنفسهم.
وطالب الرئيس بـ"تمديد" فترة الانتظار للحصول على الانجازات في مجال الوضع الداخلي، لانه قال انه باشر التأسيس هذه السنة على ان يبدأ الحصاد في المستقبل القريب، مستنداً الى بعض ما تحقق في الوضع الامني وقوانين تم اقرارها، يُشهد انه لم يتم التطرق لها سابقاً بهذه الجدية، رغم كل المآخذ الكثيرة عليها.
مطبان فقط وقع فيهما عون: الاول يتعلق بقضايا الفساد السابق وموضوع الابراء المستحيل الذي اثاره اكثر من مرة في سياق حديثه، ولم يستطع الخروج منه بطريقة مقنعة بعد التسوية السياسية التي حصلت، خصوصاً في ظل "فترة نقاهة" طويلة للقضاء.
اما المطب الثاني فكان اعادة التشكيك بمجلس النواب، وبشكل مجاني بعد ان تم اقرار قانون انتخاب جديد كفيل باعادة الامور الى مجاريها، وابعد شبح التمديد، فيما كان يمكن له ان يشدد فقط على ان الانتخابات ستجرى في موعدها مهما كانت الظروف وانه سيحتكم الى الشعب في حال شعر بأي مماطلة او تراجع من قبل المسؤولين.
هذان المطبان كفيلان باثارة قلق رئيسي مجلسي النواب والوزراء نبيه بري وسعد الحريري، حيث سارع الاول الى الرد بطريقة غير مباشرة عبر الدفاع عن مجلس النواب الذي "رغم التمديد، انقذ لبنان من مرحلة الفراغ الرئاسي"، فيما قد يحتفظ الثاني بالرد لنفسه انما بتحفظ.
باختصار، نجح عون في تجربته الفريدة، ويمكن القول انه اوصل الرسائل التي يريد الى الجميع، فطمأن الشعب اللبناني لناحية الامن والعمل على تحسين الاقتصاد والمستقبل، والخارج بأن لبنان لن ينجر بسهولة الى ساحة تصفية الحسابات على ارضه، رغم محافظته على اتصالاته وصداقاته مع الدول.