رجّحت مصادر سياسية رفيعة لـ «البناء» أن يكون الرئيس سعد الحريري هو مَن طلب موعداً للسفر الى المملكة العربية السعودية ولقاء الأمير محمد بن سلمان الذي بدوره كان يرغب بالتشاور مع الحريري للاطلاع أكثر على الأجواء وهوامش الضغط الممكن لعبه من قبل المملكة في لبنان، خصوصاً على حزب الله وتكوين صورة محددة من التعامل مع المرحلة المقبلة. زيارة الحريري تأتي بعد تصريحات الوزير السعودي تامر السبهان بخصوص لبنان وانتقاده سكوت الحكومة اللبنانية ما حدا بالحريري اعتبار اللقاء بالسعوديين ضرورة في الساعات الماضية لفهم حقيقة ما يجري، خصوصاً أن الحريري بات موضوعاً ضمن خانة مَن يجهل الموقف السعودي الحقيقي تجاه وجوده بالحكومة ويتعرّض لأسئلة من اقرب المقربين في تياره ولمعرفة أين يجب وضع كلام السبهان، خصوصاً أن الحريري نقل للسعوديين واقع الشراكة الموجود في السلطة بظل وجود الرئيس ميشال عون وصيغة الحكم القائم منذ اليوم الأول لانتخابه على أساس تقاسم الإدارة السياسية. وتختم المصادر «يبدو تصريح الحريري بعد اللقاء هادئاً، ولا يدل عن أي قرار تصعيدي حاليّ، فلا يبدو ان البت في التحرك السعودي نحو لبنان قد تمّ البت فيه بهذه الزيارة».
أسئلة كثيرة ومواقف سعودية مبهمة تحيط بالساحة اللبنانية وآخرها فحوى كلام تامر السبهان المتتالي بتصريحات متقاربة تشي بأن شيئاً قريباً يتحضر ويحتاج الحقن الداخلي كي ينضج كما بدا من التصعيد الإعلامي بعد أن تغير السلوك السعودي فجأة لجهة المواقف النارية ما يعني عودة الساحة اللبنانية لتحتلّ سلم اولويات المملكة العربية السعودية بعد سنوات من الانشغال عنها، نتيجة الضغط في الأزمات السورية واليمنية والبحرانية في وقت مبكر من عمر الثورات العربية حتى تصدّر لبنان اليوم مواقف القيادات السعودية والمسؤولين في المملكة.
واقعاً، لا يحتل لبنان عند المملكة والحلفاء الغرب هذه الأهمية سوى من بوابة وحيدة تحاول الرياض غربلة نتائج الربح والخسارة في المنطقة برمّتها عبرها، وهي بوابة الهجوم على حزب الله الذي يشكل وحده مفصلاً من منطق التعاطي بين السياسة السعودية التي تبدو شريكة غير مباشرة له عبر حلفائها بالحكومة اللبنانية، وبين العدو اللدود الذي تبتغي الاقتصاص منه، حسب تصريحات السبهان الأخيرة والأمير محمد بن سلمان الذي شبه الوجود الحوثي بالجوار السعودي بوجود حزب الله على الحدود.
وإذا كان ذلك يعني تحدي حزب الله بسبب فشل أكثر من خطة سعودية وأكثر من خيار تعويضاً عن الإخفاقات التي تعرّي اليوم السياسة السعودية أمام الخصوم، فإن التعقيدات لا تزال تتوالى على هذا الملف وتزيد إرباك السعوديين واستفتاء كردستان وفشل قيام الدولة واحدة منها. فدعم الاستفتاء والانفصال هو بحد ذاته مطلب سعودي دعمته الرياض وحلفائها باطناً، ولو كان الظاهر ان خيار الاستفتاء هو خيار مرفوض، لأن قيام دولة كردية بحد ذاته هو خيار يستهدف تركيا المنافس السني الأكبر للمملكة العربية السعودية وعليه فإن كل شيء وارد بعد هذه الخيبات الكبيرة التي تعرّضت لها السعودية وبات لبنان أحد خياراتها كمسرح لكشح الغبار وإزاحة العين بالاشتراك مع الأميركيين الذين حوّلوا جلّ الازمة اليوم تصويباً وتركيزاً على حزب الله وإيران في محاولة لتعمية حقيقة أساسية، وهي عدم إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد والاتجاه نحو قبوله شريكاً أساسياً في الحل.
الإخفاق الكبير اليوم الذي يُضاف الى سلسلة الحسابات الخاطئة إذاً هو التقدير المفرط بمبالغة إمكانية تقسيم العراق، بالطريقة التي تجعل للأكراد دولة. وهي أصلاً محاصرة لا تحمل اي من مقومات الحياة. وهو الأمر الذي عزز موقع تركيا مجدداً وعزّز معها الموقع القطري أيضاً. وهو ما بات مأزقاً جدياً اليوم بعد الأزمة التي شنتها الدول العربية الخليجية مع قطر كلها أمور تجعل من خيار تعزيز الموقع وترتيب النقاط وإعادة النظر بملف لبنان وزوايا يمكن التعويل عليها لخلط الأوراق ورفع الحضور السعودي من جديد.
اللافت بهذا الإطار أن التصريحات السعودية هي ظاهرة جديدة على اللبنانيين الذين اعتادوا سكوت المملكة وصورة معكوسة، لطالما كان يتحدث فيها المسؤولون اللبنانيون ويطلقون المواقف يميناً وشمالاً بانتظار إيماء أو غمزة سعودية من هنا وهناك لتدعيم الموقف، وإذ بالعكس اليوم حيث صار المسؤولون اللبنانيون يفضلون عودة المملكة السعودية الأكثر اتزاناً وهدوءاً، بعد أن صاروا هم أكثر ميلاً للتوافق في مشهد يعكس في ما يعكس إرباك السعودية وبحثها عن ساحات يمكن العبث فيها من أجل تحسين موقعها الإقليمي بوجه الخصوم الإقليميين، خصوصاً إيران وقطر اليوم التي سبق وصار موضوع تصنيف الدولتين في الخانة نفسها لدعم الإرهاب أحد مساعي المملكة الحثيثة بوجه المجتمع الدولي.
ينتظر لبنان واللبنانيون مواقف تصعيدية مباشرة من الرياض، لكن من غير الأكيد حتى الساعة مساحة اللعب والأوراق الموجودة بيد السعوديين والقادرة على منحهم مجالاً للمناورة، لأن الأمور لا تشي بوفرة الأوراق الممكن للسعودية استغلالها على الصعيد السياسي من دون التطرق الى اي خضة في الشارع، حيث باتت نتائجها معروفة مسبقاً قبل التوجّه لاستهداف الساحة اللبنانية بعد تجارب سابقة وبالأخص ساحة جمهور حزب الله ومناطقه.