يعطي العديد من المتابعين للتطورات الميدانية في العراق وسوريا مهلة حتى آخر السنة لبداية نهاية تنظيم «داعش» الذي بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة في ظل الضربات المتتالية التي توجه على رأسه في الكثير من المناطق التي يتواجد فيها والذي يخسر جرَّاءها الكثير الكثير من القيادات والعناصر ناهيك عن المقرات الرئيسية ومخازن الأسلحة.
وفي الوقت الذي باتت فيه نهاية تنظيم «داعش» شبه محسومة، تدور في الأروقة الإقليمية والدولية مداولات من شأنها وضع خارطة لما ستكون عليه المنطقة بعد ان تضع الحرب أوزارها في سوريا والعراق، خصوصاً وأن هناك أطرافاً عديدة هي على صلة مباشرة بما يجري وأخرى على علاقة غير مباشرة معها، وسيكون لهذه الأطراف رأي حول ما ستؤول إليه الأوضاع بعد هدوء قرقعة السلاح ووضع حدّ لحالات القتل والدمار.
من هنا، بدأ يدور الحديث عن مؤتمر هنا وآخر هناك من أجل تحديد معالم المرحلة المقبلة التي ستلي مرحلة الحرب، ويأتي في مقدمة هذه المؤتمرات مؤتمر الاستانة الذي قطع شوطاً مهماً في سبيل التسوية السورية، وهو يترافق مع غموض واضح في الموقف الأميركي من هذه التسوية، ففي الوقت الذي كانت تعلن فيه الولايات المتحدة في الليل والنهار، وفي السر والعلن ان الرئيس السوري بشار الأسد لن يكون ضمن أية عملية سياسية، سجل بالأمس تراجع واضح في هذا الموقف حيث أعلن الوفد الأميركي خلال لقائه وفد من الفصائل المسلحة في «استانا» اننا لن نضع رحيل الرئيس الأسد شرطاً للعملية السياسية، مستدركاً بالقول ان رحيله سيكون نتيجة طبيعية لمخارج الحل السياسي.
هذا الموقف، بحد ذاته، يُعد تراجعاً واضحاً في منسوب النفوذ والتأثير الأميركي على مجريات الاحداث بعد التقدم الكبير الذي احرزه الجيش السوري في الأسابيع الماضية وما يزال في مواجهة التنظيمات المسلحة وفي مقدمها «داعش»، كما ان هذا الموقف الأميركي المستجد على مسرح الأحداث السورية يأتي في سياق المحاولة الأميركية لوضع تسوية بالتنسيق مع روسيا تخرج بها محققة بعض المكاسب السياسية والاقتصادية، وما يُعزّز الاعتقاد بوجود تحولات نوعية في الادارة الأميركية حيال الوضع السوري هو ما جاء على لسان السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد الذي اعترف بتعزيز النظام السوري سلطته على شرق وغرب البلاد بدعم روسي وإيراني.
ويعترف السفير فورد بأن بلاده لم يعد لديها خيارات جديدة في سوريا، وأن الخيارات المتاحة أسوأ من الأخرى، وهذا يعني ان على واشنطن عليها ان تقطع الأمل في إخراج الأسد من السلطة والعمل في الوقت ذاته على تقديم مساعدات إنسانية وتخفيف العبء عن الدول المستضيفة للنازحين.
هذا الموقف للسفير الأميركي الذي خبر الواقع السوري عن قرب ما كان ليعلن لولا الادراك الكامل بأن السياسة الأميركية التي اتبعت حيال الأزمة في سوريا قد فشلت، وأنه بات على واشنطن التعويض على ذلك بإبراز الوجه الحسن من خلال تقديم المساعدات ووقف تزويد الفصائل المسلحة بالسلاح.
هذا الإخفاق الأميركي في السياسة والميدان يقابله تعزيز واضح للحضور الروسي على مسرح الأزمة السورية، حيث على ما يبدو فإن القيادة الروسية تحاول الاستفادة قدر الإمكان من التراجع الأميركي في سبيل الإمساك بزمام المبادرة، وهي بدأت العمل الفعلي لتحقيق هذا الهدف من خلال ما نقلته الوكالة الروسية عن مصدر مطلع قوله ان مؤتمراً تدعمه موسكو للسوريين من مختلف الطوائف قد يعقد في روسيا منتصف هذا الشهر وهو يرمي الى وضع دستور جديد لسوريا، وهذه المبادرة الروسية ما كانت لتعلن لو لم تحظَ بدعم من الأمم المتحدة التي تسعى جاهدة لوضع حدّ لهذه الأزمة التي طال أمدها، وهو ما يعني ان اسلوباً دولياً وأممياً جديداً بدأ يستخدم في السعي لحل الأزمة في سوريا، وهذا يدل على ان الأهداف التي اندلعت لأجلها هذه الحرب ذهبت ادراج الرياح، وأن ما قيل من انكار عن إعادة تقسيم المقسم في المنطقة لم تعد توجد لها الأرضية الصالحة لترجمتها إلى واقع، وهذا الأمر يطرح التساؤل حول ما إذا بتنا على قاب قوسين من إعلان نهاية الحرب في سوريا، أم ان الشياطين التي لطالما تسكن في تفاصيل الأمور يمكن ان تعود وتطيح بالخطط التي ترسم لنهاية هذه الحرب ويقع ما في الحسبان؟
الأسابيع القليلة المتبقية من هذا العام ستكون كافية للاجابة الواضحة على هذا السؤال.