تمرّ ذكرى «وعد بلفور» والأمة تعيش أقسى ظروفها وتحوّلاتها، ولكن الولادات والإنجازات والانتصارات لا تأتي إلا بعد شدة وعناء وكَبَد. يقول رسول الله «أضيق الأمر أدناه من الفرج». صحيح أنّ معاناة الفلسطينيين كانت طويلة والفتن والحروب التي دارت رحاها في أكثر من بلد عربي خلّفت الكثير من الضحايا والمآسي، ولكن كان لا بدّ أن نمرّ بهذا المخاض حتى نزداد قوة وثباتاً ووعياً ومعرفة بما جرى وما يجب أن نكون عليه في المستقبل. المكابدات والتجارب ضرورية لنعرف مَنْ مع فلسطين ومَنْ ضدّها؟ مَنْ باع فلسطين ومَنْ بقي أصيلاً ثابتاً على مبادئه يدافع عنها بالمال والأنفس؟ كنّا نحتاج إلى هذا الزمن الطويل لنختبر المؤمن من المنافق، الصادق من الكاذب، وها قد بانت اليوم الحقيقة كاملة!
الأنظمة العربية كالنظامين المصري والأردني انكشفا وذهبا طواعية للحصول على رضا الغزاة القتلة، ثم كرّت السبحة لنجد أنظمة خليجية كانت تزعم أنها مع فلسطين، وأنها لا تقبل بتسوية مهينة ظالمة تُفرّط بحقوق الشعب الفلسطيني، وإذا بها تسارع إلى اللقاءات والمباحثات وفتح المكاتب التمثيلية وصولاً إلى التطبيع. الشعوب العربية كانت تحت تأثير كذبة كبيرة ووهم كبير بأنّ هذه الأنظمة ومنها الممكلة السعودية تريد تحرير فلسطين أو بالحدّ الأدنى راغبة في دعم المقاومة الفلسطينية. ولكن يتبيّن لاحقاً أنها كانت تتآمر على فلسطين وعلى مقاومتها، أما الشعارات التي كانت ترفعها فلم تكن إلا في سياق التضليل وامتصاص نقمة الشعوب.
نعم، كنا بحاجة إلى كلّ هذا الزمن لكشف هذه الخدعة العربية، وأيضاً لبروز أهل الإيمان والشرف والتضحية والإيثار. اليوم لا يقف إلى جانب فلسطين بشكل واضح ومباشر من الدول العربية إلا سورية، ومن الدول الإسلامية إلا إيران، ومن الأحزاب والحركات إلا حزب الله اللبناني وأنصار الله في اليمن والحشد الشعبي في العراق، وبعض المنظمات والهيئات والحركات السياسية والثقافية والاجتماعية. وكما يتمايز أهل الإيمان من أهل النفاق يوم القيامة والحساب، يتمايز أهل الحق من أهل الباطل في هذا الزمن. نحن نعيش قيامة سياسية يُعرف فيها المدافعون عن فلسطين من المتآمرين والمخادعين والمثبّطين والمتخاذلين.
ها نحن أمام الحقيقة الناصعة. فمَن هو مع فلسطين بات معروفاً، لأنّه مهدّد بالحرب والعقوبات والحصار، ولأنه يرفع السلاح ويرفض التنازل عنه حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر.
ومَنْ هو في الطرف الآخر بات أيضاً معلوماً من ملوك ومنظمات وشخصيات ووسائل إعلام ارتضت أن تكون مرتهنة للأميركيين والصهاينة.
في ذكرى وعد بلفور ، المقاومون أصلب عوداً وهم يتحضّرون لموعد الفصل والمنازلة الكبرى.
ومَنْ استند إلى قوة الله فلن تخيفه أيّ قوة مهما استطالت.
ذكرى «بلفور» في هذه الأيام هي ذكرى أمل جديد، بأنّ تحرير فلسطين على يد الشرفاء المؤمنين بات قريباً جداً جداً.