– يعرف الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني الإمام علي الخامنئي أنهما ركيزة حلف متعدّد الأطراف، تصير تركيا ركناً ثالثاً فيه في بناء محور التوازن الاقتصادي والسياسي والعسكري الإقليمي، ومن ضمنه مسار التسوية في سورية، وتصير الصين ركناً ثالثاً فيه في بناء محور التوازن الاقتصادي والسياسي والعسكري على المستوى الدولي، وتصير دول كثيرة ثالثاً فيه كلّ في مجال واختصاص وطبيعة مهام. وحضرت أذربيجان برئيسها إلهام علييف كثالث لهما في تشكيل محور لبحر قزوين، وكحلقة وصل برية وحيدة بينهما، تجعل الجغرافيا العسكرية والاقتصادية للبلدين الكبيرين شبه واحدة، وتصير عبرها روسيا موجودة في بندر عباس الإيراني على مياه الخليج قبالة السعودية والإمارات وعُمان، تشاطئ الحاملات والمدمّرات الأميركية، بمثل ما تصير روسيا عبر تركيا برياً وعبر البحر الأسود وصولاً لسورية، على مياه المتوسط، بينما تصير إيران عبر العراق وسورية، بعدما حُسِم التواصل المباشر عبر الحدود السورية العراقية، على مياه المتوسط، وعبر الخط الواصل من أذربيجان وروسيا في بطرسبورغ على مياه بحر الشمال، قبالة فنلندا والسويد والنروج والدنمارك وألمانيا، وترتسم منطقة ممتدّة من بحر الشمال إلى بحر قزوين والبحرين الأسود والمتوسط إلى الخليج، تتوسّطها روسيا وإيران.
– هذا الاجتماع الثاني للزعيمين، بعد اجتماعهما الأول قبل عامين بعدما تمّ إنجاز التفاهم على الملف النووي الإيراني دولياً، وبعدما أنجزت روسيا تموضعها العسكري في سورية، وفي الاجتماع الثاني يواصل الزعيمان رسم خرائط جديدة لحلفهما السياسي والاقتصادي والعسكري، في المنطقة والعالم، وقد شارف الإنجاز الثاني بانتصار سورية على النهايات، لينضمّ إلى الملف النووي الإيراني، ويبقى الإنجازان تحت الحماية كمهمّة دائمة بوجه محاولات الاستهداف التي لم ولن تتوقف، وكما لم يحتفل الزعيمان قبل عامين بإنجاز التفاهم على الملف النووي، بل خططا للفوز بحرب سورية، لا يحتفلان في لقائهما الثاني بنصر سورية، بل يخططان للفوز بحرب جديدة، تبدو حرب إقامة التوازن الاقتصادي والدفاعي بالاستناد إلى شبكة المصالح والأمن الواسعة، التي يستطيعان عبرها استقطاب الجغرافيا المحيطة بهما.
– مسار التسوية في سورية وحماية التفاهم النووي يقدّما المباحثات من دون استغراق وقت طويل، لتكون الأولوية لقوس جغرافي ممتدّ من بطرسبورغ إلى بندر عباس، ينقل الصلب من روسيا إلى إيران أولاً ومنها إلى الخليج، ويفتح السوق الأوروبية من بوابتها الشمالية من إيران وإليها، وبناء شبكة نقل كهربائية عملاقة تتغذّى من مفاعلات نووية تشيّدها روسيا في سيبيريا، قادرة على تأمين احتياجات عشرات الدول في المنطقة، من العراق إلى سورية ولبنان غرباً، وباكستان وتركمانستان وأفغانستان شرقاً، والخليج جنوباً، وتسهيل تنقل المقدّرات والخبرات والمعدات العسكرية إلى حيث يستدعي الوضع، خارج أيّ رقابة أو تحكّم من أيّ طرف ثالث، وقد توسّعت سبل التعاون والتنسيق والخبرات في هذا المجال بين البلدين وقواهما المسلحة وأجهزتهما الأمنية، من تجربة العمل الصعب والطويل والمتعدّد الأبعاد، الذي خاضاه معاً في سورية.
– روسيا المطمئنة لنصر سورية والمرتاحة للتعاون عسكرياً ونفطياً وتسليحياً مع العراق، تقابل إيران الواثقة بأنّ تغيير معادلات سورية والعراق سيغيّر وجه المنطقة، وبأنّ التعاون مع روسيا لبناء شبكة حماية دولية لخيار الاستقلال سيضمن عدم التفلت الأميركي من التفاهم النووي، كما سيضمن مواصلة يناء القدرة الصاروخية الإيرانية، وروسيا وإيران معاً تستعدّان للتعاون مع الصين ومع مَن يرغب لبناء شبكة تعامل مصرفي بيني لا تمرّ بالوساطة والعملة والبنوك الأميركية، تأسيساً لمرحلة جديدة على المستوى الإقليمي والدولي، تتقلّص وجوه البعد العسكري فيها بالتناسب مع تراجع الحروب، لصالح سياسة أكثر، واقتصاد أكثر وأكثر.