إلى البوكمال، تنطلق المعركة الأصعب والأهم بالنسبة لواشنطن، على وقع تحشيد عسكري غير مسبوق للجيش السوري وحلفائه للوصول إليها، بعد إنجازهم السيطرة على محطة "T2"، والتي تُعتبر رافعة للتقدم نحو المدينة الحدودية عبر البادية.
بالتزامن، انطلقت معركة تحرير القائم العراقية في الجانب الآخر من الحدود، والتي تستعد القوات العراقية ومقاتلو الحشد الشعبي لاقتحامها في أي لحظة، بعدما وصلوا إلى مشارفها.. على جانبي الحدود السورية - العراقية، تقود واشنطن معركة سباق دمشق وحلفائها إلى البوكمال، عبر ذراعها الكردية، وهي حشدت للمعركة الفاصلة كل طاقاتها اللوجستية والاستخبارية لمنع حسمها لصالح محور المقاومة، في وقت كشف ضابط سابق في البحرية الأميركية، استناداً إلى تقارير استخبارية، أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، جهّز مفاجأة "من العيار الثقيل" للميليشيا الانفصالية الكردية في سورية، مشيراً إلى أن الرقة بانتظار حدث عسكري كبير بعد انتهاء الجيشين السوري والعراقي وحلفائهما من معارك تحرير البوكمال والقائم وربط الحدود السورية - العراقية.
هي بالطبع ضربة قاسمة توجّهها دمشق وحلفائها إلى واشنطن وذراعها الكردية فيما لو صحّت معلومات كين اوكيفيه؛ الضابط السابق في البحرية الأميركية، الذي رجّح بقوة انتزاع الرقة من واشنطن، عبر خطة ذكية أُنجزت تفاصيلها في دمشق، بحضور رئيس أركان القوات المسلَّحة الإيرانية اللواء محمد باقري، الذي حطّ في العاصمة السورية منذ أسبوعين على رأس وفد عسكري إيراني رفيع المستوى، أنجز خلالها أيضاً مع نظيره السوري خطة تحرير البوكمال وربط الحدود السورية - العراقية، حيث حشد الأميركيون ثقلاً عسكرياً كبيراً، بعد تأمين عبور أعداد كبيرة من مقاتلي "داعش" في الرقة، مدعومين بحشد من مقاتلي العشائر، تمّ توجيههم إلى البوكمال بهدف تشكيل قوة عسكرية ضاربة تم تذخيرها بصنوف تسليحية ووسائل اتصال أميركية متطورة، تكفي لمواجهة الجيش السوري وحلفائه، وإعادة خلط الأوراق الميدانية في جبهات الشرق السوري، عبر كسب أهم معاركه على الإطلاق.
إلا أنه في المقابل، يكتفي مصدر مقرَّب من غرفة عمليات حلفاء الجيش السوري، بالإشارة إلى أن كل التحشيد الأميركي لمنازلة البوكمال لمنع تحقيق وصل الحدود السورية - العراقية، لا يقارَن بما جهّزته دمشق وحلفاؤها لهذه المعركة، حيث سيكون انتصارهم فيها تتويجاً لرزمة ضربات سددها محور المقاومة في مرمى واشنطن وحلفها مؤخراً، أُحيط بعضها بتكتُّم رسمي أميركي - "إسرائيلي" حريّ التوقُّف عندها:
1- ضربة استعادة كركوك العراقية بعملية نظيفة فاجأت واشنطن وتل أبيب، بعد ساعات على توجُّه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني إلى العراق، لتنسف أحلامهما بإقامة الدولة الكردية المزعومة، ولتُجبر من ظنّ نفسه قبل أسابيع قليلة فقط "بطل" هذه الدولة مسعود البرزاني على التنحي، بعد أن أعلن حينها أن كركوك هي "قدس كردستان".
2- ملاحقة صواريخ سورية يوم 16 من الشهر الماضي، لطائرة "إسرائيلية"، وإصابتها بشكل مباشر فوق الحدود مع لبنان، نفتها وسائل الإعلام العبرية، مبرّرة إصابتها بـ"خلل فني" تعرضت له جراء اصطدامها بطير.. واللافت أن تحرُّك الدفاع الجوي السوري تزامن مع زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لفلسطين المحتلة، ليمثّل رسالة روسية هامة "إلى من يعنيه الأمر". الأمور لم تقف عند هذا الحد؛ ضربة أخرى وجّهها الجيش السوري للأميركي و"الإسرائيلي"، عبر إطباقه على ترسانة عسكرية خلّفها تنظيم "داعش" وراءه خلال فرار قادته ومقاتليه من مدينة الميادين عندما دخلها الجيش، مخزَّنة في مستودعات ومقرات محصَّنة وصعبة الاختراق، تضم أسلحة أميركية و"إسرائيلية"، ووسائل اتصال واستطلاع، ليمثّل عرض تلك الغنائم على الملأ وهي بقبضة القوات السورية، ضربة مشابهة لتلك التي سددتها خلال معركة تحرير حلب؛ حين استولت وحدات الجيش السوري حينها على كميات ضخمة من الأسلحة الأميركية أرسلتها واشنطن إلى مسلحي "جبهة "النُّصرة"، والذين فرّوا وقتذاك من المدينة تحت ضربات الجيش وحلفائه.
على أن الإنجاز الاستخباري السوري البارز تمثّل بالقبض على طاقم استخباري بريطاني في سورية عمل هناك طيلة السنوات الماضية، أنيطت مهمته بعمليات اغتيال عديدة طالت كفاءات علمية وعسكرية سورية، ليُلحق هذا الإنجاز بتصفية عميل بريطاني في الرقة يعمل مع ميليشيا "قسد" يدعى غريس هاريس، تمّ تبرير مقتله بانفجار قنبلة، إلا أن تقارير غربية كشفت مؤخراً أن عيون الجيش السوري مزروعة "بقوة" داخل الرقة.
تدرك دمشق مدى اهتمام واشنطن، كما دول حلف الناتو، إضافة إلى "إسرائيل"، بالتعسكر في هذه المدينة، وحيث اتضح أن الرياض دخلت بقوة أيضاً على خط تقوية نفوذ الانفصاليين الأكراد شمال شرق سورية، وما زيارة وزير الدولة السعودي ثامر السبهان منذ أسبوعين للرقة سوى دليل على هذا الدعم الذي يتماهى مع سياسة "مد الجسور الإسرائيلية" باتجاه أكراد سورية، بعد نسف حلم إقامة دولة كردية في العراق، تسمح لتل أبيب بتدشين أنبوب لسرقة النفط السوري من مناطق النفوذ الكردي، ونقله إلى "إسرائيل" عبر الأردن.. على وقع المباشرة بـ"تطوير" قواعد عسكرية أميركية وفرنسية في الرقة ومحيطها، فرضت علامة استفهام كبرى حول جدية المعلومات التي كشفت عن نية استغناء حلف "الناتو" في المدى القريب عن قاعدة انجرليك التركية.
وعليه، يكمن "غباء" الانفصاليين الأكراد في سورية، بعدم تلقُّف رسالة "ضربة استعادة كركوك" على أنها النسخة الأولى من "تأديب" أقرانهم في كردستان العراق، على أن النسخة "التأديبية" الثانية باتت جاهزة، وبانتظارهم.. يؤكد الخبير العسكري الروسي سلوبدان ميرتشكوف لموقع "بريكول" الروسي، أن معركة "استئصال" نفوذ انفصاليي أكراد سورية قادمة لا محالة.. هذا عطفاً على تقارير أكدها أيضاً مركز "فيريل" الألماني للدراسات، مفادها أن المعركة المقبلة مع ميليشيا "قسد" ستبدأ من الحسكة، وستكون قاسية في الرقة.
إلا أن المعلومات الأبرز هي تلك التي رشحت عن مصدر عسكري روسي كشف أنه بعد الانتهاء من معارك البوكمال سيبدأ السيناريو الأهم في تاريخ الحرب السورية، والذي سيُستتبع - بشكل متلاحق - بإعادة فتح سفارات غربية في دمشق مع حلول العام الجديد، تتوَّج بزيارة غير مسبوقة لرئيس دولة إقليمية غربية إلى العاصمة السورية للقاء الرئيس بشار الأسد.