جاءت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى السعودية بمثابة انضمامه الى الحلقة المحيطة بولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان، اذ على وقع تغريدات وزير الدولة السعودية لشؤون الخليج ثامر السبهان كان اللقاء مع كل من سلمان ومن بعده مع المندوب السعودي الذي زار الحريري في دراته في الرياض.
فبعد ان كان الكلام في محيط الحريري بأن تغريدات السبهان التي تنتقد حزب الله وصمت الحكومة «وان كانت متكررة» لا تعكس رأيا رسميا وأن علاقة رئيس الحكومة هي مباشرة بالأمير سلمان مستشهدين «باللفتة الكريمة» التي خصّه بها الأخير إبان القمة الأميركية السعودية الاسلامية حيث دعا الحريري لمرافقته في سيارته لافتتاح مركز الاعتدال، اذ بعد هذا شكل اللقاء مع كل من سلمان والسبهان انخراطا للحريري في هذه الحلقة التي تدور في فلك ولي العهد خصوصا أن السبهان كان من عداد الوفد الصغير الذي رافق الأخير في زيارته التحضيرية لزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى السعودية الى جانب وزير الخارجية عادل الجبير ومدير المخابرات السعودية خالد الحميدان.
ومن شأن هذا الواقع الجديد ان يرخي بثقله على مواقف الحريري في المستقبل نظرا لرغبة السعودية بتحقيق توازن سياسي مع كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على ما تضمنت التسوية الرئاسية يومها. والسعي لمنع تفوق حزب الله على الدولة اللبنانية وتحوله الآمر الناهي لقراراتها، وهو امر لن يظهر في المدى السريع نظرا لقناعة الحريري بعدم القدرة على الاشتباك السياسي حاليا مع حزب الله الممسك بقرار اسقاط الحكومة، ولا ان المحيطين بالحريري مؤيدون لهذا التوجه وفق الكلام في مجالسهم بعد التجربة السابقة مع الحريري في كل من السعودية ولبنان ولذلك فإن الاتفاق على أن تكون التسوية التي عقدت بين التيار الوطني الحر وبين المستقبل هو تفاهم لا يمكن اسقاطه يبقى قرار استراتيجي من قبل صانعيها الذين توافقوا على رفض أي منهما سعي السعودية او حزب الله الى اشعال خلاف بينهما.
وتمسّك الرياض بالحريري كحليف وصديق لقيادتها هو امر يفرضه الواقع رغم انها تحتضن قوى او فعاليات تدور في فلكها لكنها في الوقت ذاته لا زالت تجد بأن الحريري هو زعيم السنّة ولا يمكن أن يتحول الى «أول بين متساوين» وفي الوقت ذاته تلمس انه منذ التسوية أراد أن يعطي ذاته هامشا يمكنه من اتخاذ قرارات دون تأثره بأي توجيهات او تمنيات هادفا بذلك وضع مسافة بينه وبين الرياض تحسبا من ادخاله على خط المواجهات التي خبرها سابقا وبقي وحيدا يتحمل تداعياتها ونتائجها.
لذلك سيبقى هذه المرة متمسكا بالتسوية لاعتباره انها تؤمن الاستقرار للبنان لأن حزب الله قادر على تحمل مترتبات أي اشكل على أي صعيد كان.
ولذلك يفضل الحريري ممارسة التقية كأن يترقب تداعيات الاجراءات الأميركية بحق ايران وحزب الله ومدى جديتها بعدما خبر الأسلوب الأميركي مع محور الممانعة وآخرها كيفية تعاطي الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما مع بقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
وبعد الحراك السعودي تجاه لبنان واستقبال ولي العهد لكل من الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية الدكتور سمير جعجع والنائب سامي الجميل عمدت الرياض لتوسيع دائرة تعاطيها الاقليمي بتوجيه دعوة للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لزيارة المملكة حملت في طيّاتها ثلاثة أبعاد:
الاول: يحمل تطمين السعودية لمسيحيي المنطقة ولبنان بنوع خاص بأنها على تواصل معهم وسيستقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز البطريريك الماروني لانطاكيا وسائر المشرق وأنها حريصة عليهم في ظل ما يقال أن الطائفة السنية في المنطقة معادية للمسيحيين.
ثانيا: ان الدعوة تحمل تأكيدا على التواصل والحرص على العلاقة مع مسيحيي لبنان و ان التباعد والفتور القائم مع رئيس الجمهورية الماروني العماد ميشال عون لا يعني تباعدا مع مسيحيي لبنان، ولذلك كون البطريرك هو مرجعهم كانت الدعوة اليه بهدف طمأنتهم والتأكيد على حسن العلاقة معهم.
ثالثا: وهو عامل جد مهم للسعودية اذ نظرا لموقع الكنيسة المارونية وتمددها في المجتمعات الغربية وعلاقتها مع ادارات هذه الدول بإمكانها أن تضخّ مناخا وتعكس صورة ايجابية عن الاسلام المعتدل استنادا الى الكلام الذي سيسمعه الراعي في السعودية عن نظرتها إلى المسيحيين والغرب وكذلك عن رفض السعودية لأي تشدد او تطرف وهي تعمل على مواجهته ومحاربته على أكثر من صعيد. فباستطاعة الكنيسة المارونية ان تنشر صورة مشرقة عن هذا الاسلام الذي شوهه الارهابيون الذين هم أعداء السعودية بشكل اول ومحاولاتهم التخريبية واضحة على أراضيها.