– كان واضحاً وموثقاً أنّ ثمة مخططاً يستهدف تدمير وتفكيك الجيوش الوطنية، خصوصاً في سورية والعراق ومصر، وللذين يريدون التساؤل عن مستقبل المشروع «الإسرائيلي» في المنطقة، أن يقيسوا حاصل ما جرى على مستوى مستقبل هذه الجيوش، وأن يقيسوا بالتوازي معها مستقبل مشاريع التفتيت من بوابة المشروع الأشدّ أهمية وجاهزية، الذي مثّله المسعى الانفصالي لإقليم كردستان في العراق.
– إنّ نظرة نحو حال الجيوش في مصر وسورية والعراق، خصوصاً في سورية والعراق، وقد تعرّض الجيشان لمشاريع تفكيك منهجية، وتلقى كلّ منهما إصابات بالغة في بنيته وتسليحه وسيطرته الجغرافية، تفيد بأنها جيوش تخرج من هذه الحرب أشدّ قوة مما كانت قبلها، وأكثر تماسكاً وخبرة وعديداً وثباتاً ومعنويات وتسليحاً ومهارة.
– في سورية والعراق نحن أمام جيشين من مليون جندي وضابط يملكون أحدث العتاد الحربي وقد اختبروه في الميدان، وخرجوا من معارك لم يعِش مثلها جيشُ في العالم لسنوات ويخرج منتصراً، محاطين بحوالي مليوني منضوٍ في أطر رديفة للقتال كالدفاع الوطني والشعبي في سورية والحشد الشعبي في العراق، وبالتنسيق مع مقاومة تستطيع تعبئة ربع مليون مقاتل تقودهم نخبة من خمسين ألف مقاتل يتقنُون أنواع الحروب كلها ويملكون أنواع السلاح كافة، وفي العمق الاستراتيجي الذي تمثله إيران جيش من مليون جندي وحوله خمسة ملايين بين حرس ثوري وقوات تعبئة، وقد شاركوا في حربَيْ سورية والعراق، وليس خافياً، أنّ في لبنان ومصر بعضاً من هذا، وفي فلسطين حال مقاومة تتعافى بعد محنة التموضع الخاطئ لبعض فصائلها في حرب سورية.
– تنظر القيادة «الإسرائيلية» بهذه الحسابات لمستقبلها في المنطقة فتراه أسود، وهي تحتفل بمئوية وعد بلفور، كأنه وعد مئة عام غير قابلة للتجديد، كحال عقود الليزينغ البريطانية سقفها تسعة وتسعون سنة، ستتمّها «إسرائيل» عام 1946، فيكثر المتنبئون والمنجمون بزوالها قبل هذا التاريخ، وينظر العلمانيون والعلميون بعيون أخرى تقول بالوقائع والأرقام إنّ «إسرائيل» لن تصمد حتى ذلك التاريخ، فربما يكون العقد المقبل موعد الرحيل، فإنْ لم تذهب هي للحرب لتسريع المواجهة التاريخية، سيأتيها بالحرب الآخرون، وإلا فلماذا يكدّسون السلاح والخبرات وينفقون عليهما الأموال؟
– ثلاث شخصيات قيادية ذات صلة بالعمل الأمني والعسكري من دول فاعلة ومؤثرة في حروب المنطقة، سألتهم السؤال ذاته، هل من تصوّر نهائي لصيغة التسويات في المنطقة، كان جوابهم واحداً، كل شيء تقريباً واضح ومحسوم، والذي يؤخّر هو عقدة الإصرار الأميركي على ضمان أمن «إسرائيل»، واستحالة الحصول على هذه الضمانة، ولذلك ستتمّ التسويات بالتدريج والمزاوجة بين التفاهمات وفرض الأمر الواقع، وربط النزاع المستمرّ حول أمن «إسرائيل» حتى يحدث شيء كبير، وعن هذا الشيء الكبير قالوا، إما الانزلاق لحرب يصعُب وقفها تكتبُ هي الجواب، أو مسارعة «إسرائيل» لقبول الانسحاب الشامل حتى خط الرابع من حزيران من العام 1969 وقيام دولة فلسطينية حقيقية، عندها سيحدث خلط أوراق يغيّر قواعد الاشتباك.