لا يزال الفلسطينيون يعانون ويلات "وعد بلفور" المشؤوم، قبل 100 عام، الذي سلبهم أرضهم ومنحها للعدو الصهيوني، ما أدّى إلى تغيير الواقع في الشرق الأوسط.
ويواصل الفلسطينيون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، التنديد بالقرار التاريخي الظالم الذي حلَّ بهم، والذي أسَّس لأكبر جريمة على مر العصور، مؤكدين تمسّكهم بحقهم في أرضهم وبعودة اللاجئين للإقامة فيها مع الصامدين الذين يواجهون غطرسة المحتل.
ويسعى الفلسطينيون إلى الضغط على صنّاع القرار في العالم من أجل إنهاء المعاناة الدائمة للقضية الفلسطينية بالإعتذار عن هذه الجريمة الكبرى، التي لا تسقط بالتقادم.
وشرعت السلطة الوطنية الفلسطينية بتحريك دعاوى قانونية لمحاكمة بريطانيا في المحاكم المحلية والدولية، بما فيها المحاكم البريطانية على جريمتها بحق الشعب الفلسطيني، المتمثّلة بـ"وعد بلفور"، ومطالبة بريطانيا بتقديم الإعتذار كما التعويضات المناسبة، بديلاً عن هذه المأساة، بما يشمل ضرورة الإعتراف بدولة فلسطين التي أنكرت حقها في الوجود.
وبدلاً من الإعتذار البريطاني عن الجريمة التاريخية، ما زالت السلطات البريطانية ترفض مطالب دعتها إلى الإعتذار عما حدث، مع الإصرار على أنّها "فخورة بالدور الذي أدّته".
ويوم أمس، عمّت تظاهرات الغضب والإحتجاج الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعديد من أماكن تواجد الفلسطينيين في الشتات، حيث حملوا الأعلام الفلسطينية والرايات السوداء.
وفي خطوة هامة، استقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، وفداً من المتضامنين البريطانيين، الذين ساروا على الأقدام أكثر من 147 يوماً من بريطانيا إلى القدس المحتلة، تنديداً بـ"وعد بلفور" في ذكراه المئوية، ورفضاً للإحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وللإعتذار عن الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني.
وخاطب الرئيس عباس أعضاء الوفد بالقول: "نحن على قناعة بأنّكم أنتم مَنْ يمثّل الشعب البريطاني بحق، وهو الشعب الذي لا يقبل الظلم التاريخي الذي ألحقه "وعد بلفور" بشعبنا، وفي هذا الصدد، نحن نقدّر الموقف النبيل لمجلس العموم البريطاني عندما طلب من الحكومة البريطانية الإعتراف بدولة فلسطين".
وتحدّث كريس روز مدير "مؤسّسة أموس ترست" البريطانية، التي قامت بتنظيم الفعالية التضامنية، قائلاً: "جئنا سيراً على الأقدام من لندن إلى فلسطين لنعتذر عن الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني، جئنا إلى فلسطين، لنقول لشعبها، نحن نعتذر بالنيابة عن حكومتنا وشعبنا جرّاء الظلم الذي وقع عليكم بسبب "وعد بلفور"، ولنؤكد رفضنا للإحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية".
وأضاف روز: "نقول للشعب الفلسطيني، وللرئيس عباس، يجب تخطّي هذه المئوية المشؤومة، والنظر إلى المستقبل المشترك لأطفالنا وأجيالنا القادمة بصورة إيجابية بعيداً عن الاحتلال ومأساته".
بدوره، قال مدير "مؤسّسة أمانة الأراضي المقدّسة" سامي عوض: "إنّ مسيرة المتضامنين البريطانيين إلى فلسطين يشارك فيها 55 متضامناً بريطانيا، وشملت 10 دول مرّوا بها، واستغرقت 147 يوماً، وقطعوا 3300 كلم سيراً على الأقدام، من لندن، حتى وصلوا إلى رام الله، وستنتهي هذه الفعالية في مدينة القدس المحتلة، عاصمة دولة فلسطين، ليعبّروا عن اعتذارهم لشعبنا الفلسطيني عن مأساته جرّاء "وعد بلفور" الذي أصدرته الحكومة البريطانية قبل 100 عام".
حضر اللقاء: أمين عام الرئاسة الطيب عبد الرحيم، نائب رئيس الوزراء زياد أبو عمرو، مستشار الرئيس الدبلوماسي مجدي الخالدي، رئيس ديوان الرئاسة انتصار أبو عماره، والمشرف العام على الإعلام الرسمي الوزير أحمد عساف، وفد من "مؤسّسة الكنائس من أجل السلام" ونائب رئيس "حزب الشعب الجمهوري" التركي أوزتورك يلماز.
في غضون ذلك، ما زالت بريطانيا ملتزمة بوعدها لليهود، حيث دعت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي نظيرها الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لـ"الاحتفال" بالذكرى المئوية لإعلان بلفور، في لندن.
وشكر نتنياهو لـ ماي دعوتها إلى ما وصفه بـ"الحدث الكبير" في التاريخ اليهودي والبريطاني والتاريخ العالمي، بإقامة دولة لليهود على أرض الفلسطينيين، مؤكداً أنّ "بريطانيا وإسرائيل ما زالتا شريكتين وحليفتين قويتين".
وقال نتنياهو لنظيرته ماي: "بعد مرور 100 عام على إعلان بلفور، على الفلسطينيين أنْ يقبلوا أخيراً بوجود بيت قومي يهودي ودولة يهودية، وحينها سيكون الطريق إلى السلام أقرب، وإسرائيل ملتزمة بالسلام".
إلى ذلك، أكد رئيس المكتب السياسي السابق لحركة "حماس" خالد مشعل أنّه "يُحسب للرئيس محمود عباس رفضه الاستجابة للضغوطات والشروط الدولية، لأنّ استجابته لها تعني انتهاء القضية".
ورأى أنّ "تحقيق المصالحة الفلسطينية هو مسؤولية مشتركة، والفرصة الحالية لا ينبغي إضاعتها، وهناك بعض الأطراف العربية تتعامل مع القضية الفلسطينية على أنّها "كيس" تسدد به مشكلاتها".
واعتبر مشعل أنّ "ملاحقة "إسرائيل" في المحافل الدولية أمر جيد، لكنّه لا يُغني عن المقاومة، فكل الأوراق مطلوبة".
هذا، وتخشى سلطات الإحتلال الإسرائيلي الرد الفلسطيني على المجزرة التي ارتكبتها بالعدوان على نفق بدير البلح في خان يونس - شرقي قطاع غزّة.
وكذلك من ردٍّ سوري أو قيام "حزب الله" أو جماعات مسلّحة تتبع لإيران بإطلاق صواريخ من الجولان، بعد الغارات التي نفّذها الإحتلال في سوريا أمس الأول (الأربعاء).
ووُضِعَتْ قوّات الإحتلال في حالة تأهّب كاملة، خشية تصاعد الأوضاع الأمنية، حيث نشر جيش الإحتلال بطاريات القبة الحديدية ومنظومات دفاعية أخرى في المدن الفلسطينية المحتلة.