بدءاً من منتصف ليل31/10/2017 إنتهت حالة الطواريْ وبدت فرنسا تتنفّس الصعداءمنذ عامين لكن برئة واحدة.رئتها الثانيةمخنوقةبالخوف والجدليةبحثاً عن أسلوب مقبول فيإستقبال الإرهابيين العائدين من سوريا وليبيا والعراق الى وطنهم فرنسا.يقوىالخوف والإختناقلأنّ فرنسا راحت منذ أسابيع تتحضّر وتتزيّن كعادتها لإستقبال أعياد الميلاد ورأس السنةالذي يعني حماية التجمّعات. تلغيالتي كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد وعد الفرنسيين بإلغاءكابوس الطواريء في أثناء حملته الإنتخابية نحو قصر الإليزيه، وها هويستبدله بقانون(نشر رسميّاً في 4/6/2017) جوهرهتعزيز مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتمويلهما، وزيادة فاعلية الآلية الجنائية وضماناتها.
لنعد قليلاً الى الوراء:
1- في السابع من يناير 2015 وقع هجوم على صحيفة شارلي إبدو، عندما إقتحم ملثّمان مقرّ الصحيفة الساخرة التحقيريّة في باريس، ممّا أدى الى مقتل 12 وإصابة 11. وفي 14 منه ظهر تسجيل مصوّر تبنّى فيه تنظيم القاعدة العمليّة التي حصلت بأمرٍ من زعيم التنظيم أيمن الظواهري. هبّت فرنسا في مظاهرات "مسيرة الجمهورية" شارك فيها أربعة ملايين متظاهر، وكان لباريس وحدها مليونا متظاهر خلف 50 من قادة العالم ورؤسائه. وبعده كرّت سبحة الأعمال الإرهابيّة في معظم الأرجاء الى حدود تفكير البعض وقيامه بالهجرة المؤّقتة من عاصمة الثقافة العريقة في العالم.
2- أعطيت أمثلةً على هذا الخوف في نص عنوانه "رحلات البحث عن الجذور" نشرفي هذه الصفحة عينها من صحيفة الخليج الغرّاء في 13/8/2016 بعدما مالت بذور الحلول السلمية في بلاد الشام الى البزوغ. آنذاكلم يكن أمام الكثير من أبناء العرب سوى طريقين: الموت المجاني بالصدفة أوالإنخراط في لعبة الموت المقيمة من حولهم وفي سمائهم لربّما تتحقّق أحلامهم التغيير وأوهامه، وفي هذا الطريق رابطت دول العالم وإستخباراتها ومصانع أسلحتها ومصالحها البترولية والغازية، أو الإندفاع نحو ضفاف المتوسّط بحثاً عن الأماكن الآمنة في أوروبا ومنها فرنسا حتّى ولو كانت الأرصفة والسجون المؤقّتة. لم يكن أمامهم إذن سوى ممرّين: ممر مائيقوامه قوارب مطاطية وتجارة رابحة في مياه المتوسط قدتنجوأو تغرقطعاماً للأسماك والحيتان الجائعة،وممرّ برّي لمن إعتادوا اليابسة ولم يعرفوا البحار طيلة حياتهم، حيث يتلاقى الحالمون حفاة في الغرب عبر اليباس والماء. بالمقابل، كانت الحميّة الدينية وإستراتيجيات الجهاد المتنوّعة الملامح والمشارب شرقاً وغرباً تفتح الطرق المعاكسة من الغرب الى الشرق والطرائق والخزائن والأسلحة وكلّ ما يلزم للقتال والتدمير.
3- يتزامنخروج فرنسا من الطواريء الى القانون الخاص بالإرهاب مع جدليّة أخرى حادّة حولعودة 54 طفل ولدوا من فرنسيين يعتبرهم في سوريا وليبيا والعراق وتتمّ رعايتهم من قبل الدولة الفرنسية وتضيع صفاتهم بين المجادلة في إعتبارهمإرهابيين أو جهاديين لكن العين الفرنسيّة تنظر إليهم بصفتهم قنابل موقوتة.عادواويعود غيرهم مقاتلون وعائلاتحتّى ولو أنّالعائد ملزم بالمرور عبر مصفاة الأمن ثمّ القضاء. تقرأ مثلاً، في المجال،أنّ فلورانس بارلي وزير الدفاع الفرنسي يقول: " تفضّل فرنسا أن يموت الإرهابيون الفرنسيون هناك في سوريا والعراق"، وتعلن ماري لوبان رئيسة الجبهة الوطنيّة والمرشّحة لرئاسة فرنسا، مثلاً بأنّ" عقوبات إعدام هؤلاء الإرهابيين حيث هم قبل عودتهم إلينا"، مع أنّ نواباً فرنسيين ذهبوا الى دمشق للحوار مع النظام السوري، لكن فرنسا بقيت، بالرغم من ذلك، حذرة جداً من أن "تسقط في فخ النظام السوري عبر فتح الحوار بموضوع الإرهاب".
4- كانلإعلان حال الطواريء في دولة غربيّة عظمى مثل فرنسا عريقة في الدفاع عن حقوق الإنسان والحرّيات وقعه العالمي وتجاذباته الداخلية المتناقضة بعد إعلانه ليل عملية (13/10/2015) الإرهابية في باريس (130 قتيلا)وسلسلة إعتداءاتأخرى ضربت العاصمةوغيرها من المدن، كان من أقساها قيام شاحنة ضخمة بدهس حشد من الناس بمدينة نيس جنوب فرنسا خلّف 84 قتيلا وعشرات الجرحىلأنّه وقع أثناء الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي في جادة "برومناد ديزانغليه" التي يقصدها السياح وخصوصاً مصطافو العرب والمسلمين.
لا يمكننا قياس الضيق الذي كابده فرنسوا هولاند إذ لم يستطع الإجابة على السؤآل الذي أربك64 مليون فرنسي وفيهم 21 مليون من أصول عربيّة وإسلامية:
متى نتنفّس برئتينا وتخرجون فرنسا من الطواريء؟ هو قطعاً لم يجب ولم يستطع الخروج من الموضوع المعقّد من دون أن يدفع ثمناً سياسياً. لكن، لا يمكننا إنكار مزاج اليمين المتشدّد والمتنامي المتأسّفعلى إلغاء حالة الطواريء بينما لم يأسف عليه على الإطلاق الفرنسيون من أصول عربيّة وإسلامية.
5- ترشدنا القراءة المقارنة بين قانون ماكرون وحالة الطواريء الى هوامش واسعة من التطعيم والتشابه في ما بينهما من حيث بقاء المقاربات الأمنيةوالسماحبالمداهمات وإقتحام المنازل بدون إذن قضائي والإقامات الجبريةومنح الإدارات المحلية قرار إغلاق صالات الاحتفالات وأماكن الاجتماعات ومراكز العبادة التي تفوم بدعوات وإستمالات للإعمال الإرهابية والتطرف ومن حيثالحدّ من تنقل الأشخاص أو الآليات في بعض المواقع الحسّاسة وللمدة التي يرونها مناسبة، أو إنشاء مناطق حماية أمنية تفرض فيها ضوابط صارمة على إقامة الأشخاص، ومنح تلك الأجهزة المراقبة الإلكترونية الشخصيّة وخصوصاً زوّار المواقع الإسلامية المتطرّفة والتعاطف معها حتّى بالصورة أو اللايك.
صحيح بأنّ الإرهاب حامولة هائلة للكثير من المعاني والأخطاء والإرتكابات التي يمكن فهمها وإدانتها، وصحيح أنّ الجدلية المحتدمة ستطول وتحتدّ بين فتح الأبواب لأجهزة الأمن أو لجمها لإشارات القضاء، لكنّ الأصحّ من كلّ ذلك أنّ الفرنسيين يبدون أكثر من متفهّمين لهذا القانون وهم مستعدّون حتّى الى التنازل عن الحريات إذا ما كان هذا القانون أو غيره يحميهم ويؤمّن لهم الإستقرار. ومن يتابع إستقصاءات الرأي العام يتيقّن بأنّ الإنتقادات الحادّة لا تلقى صدى في المجتمع الفرنسي لأنّ الهدف الأسمى البارز في وسائل الإعلام والآراء السياسية يطغى عليه هموم حماية الفرنسيين من الإرهاب.
هل يضمن قانون ماكرون حماية الفرنسيين؟
هو ضمن تحقيق ما وعد به أعني قانونه الذي لن يطعن فيه المجلس الدستوري لأنّ ماكرونيقود فرنسامستنداً الى أغلبية ساحقة في البرلمان ومجلس الشيوخ ولا ضغوط لديه إذن لعرض قانونه على المجلس حيث لا عيب فيه.
لكن، لننتظر حمّى الجدليات والمخاطر وكيف سيطبّق هذا القانون بعدما دخل حيّز التنفيذ من دون أن ننسى بأنّ الإرهاب ظاهرة لها جذور عالمية تضع الجميع في أسرّة من المسامير.