أرادها رئيس الحكومة سعد الحريري حكومة لاستعادة الثقة، فكانت حكومة لإدخال لبنان في عين العاصفة، بعد جهد سنوات لاخراج الوطن من نفق الصراعات الاقليمية. أرادها الحريري حكومة "مثالية" بالشكل، من حيث جمع أكبر عدد من القوى السياسية فيها، وبالمضمون، عبر طرح العديد من المشاريع الخدماتية والاجتماعية. جاءت هذه الحكومة في بداياتها على انها الخلاص والنهاية للشرذمة في الحياة السياسية اللبنانية، فكانت نهايتها باباً جديداً قد يودي إلى المجهول.
على الأرجح أن الحريري قد تفاجأ أيضأ بالقرار السعودي الذي توجّه إلى التصعيد العنيف مع "حزب الله". ومما لا شك فيه أن البلاد دخلت في نفق مظلم، الخروج منه لن يكون سهلاً. فلماذا انقلبت الطاولة في غضون ساعات، وإلى أين تتجه الأمور بعد هذا القرار؟.
في هذا السياق، شبّهت مصادر قوى الثامن من آذار "طريقة استقالة الحريري من رئاسة الحكومة بطريقة اقالة محمد بن نايف من ولاية العهد في السعودية ومبايعته ابن عمه محمد بن سلمان، وكيفية انتقال العرش في السعودية"، معربة عن استغرابها من طريقة "سفر الحريري إلى الرياض مساءً بعد انتهاء لقائه مع مستشار المرشد الأعلى في ايران علي اكبر ولايتي، وبعد يومين فقط من عودته من الرياض ولقائه محمد بن سلمان والوزير السعودي ثامر السبهان".
وإذا ما سلّمنا جدلاً بأن الحريري أجبر على الاستقالة، فلماذا صعّدت السعودية الصراع إلى هذا الحد؟ تجيب المصادر بأن "هذا التصعيد ترافق مع تصعيد على أنصار الله في اليمن تخوّفا من أن تصبح هذه الجماعة "حزب الله" آخر على حدودها، وبالتالي فإن السعودية تسير على خطّين تصعيديين الأول في اليمن ضد انصار الله حتى لا يصبحوا حزب الله مستقبلا، وآخر ضد حزب الله في لبنان للقضاء عليه".
وبعيداً عن أسباب الاستقالة وارتباطها بالصراع السعودي الإيراني، تغوص المصادر في نتائج هذا التطور وخصوصاً على الاستقرار الأمني في لبنان بعد مخاوف من ضرب حزب الله داخلياً. وتستبعد المصادر أن "يكون الهدف تفجير لبنان، ليس لأن السعودية حمل وديع يخاف على المصالح اللبنانية، بل لكون الرياض أضعف من اتخاذ هكذا قرار في المنطقة".
وتؤكد المصادر من أن الخيار العسكري السعودي ضد حزب الله صعب جداً، وتستدرك بالقول "المغامرة السعودية-الاسرائيلية ممكنة، وستكون بمثابة انتحار لهما"، مشيرة إلى أنه "بهذه الحالة يمكن ان تكون استقالة الحريري بابعاد سعودية-إسرائيلية وليست لبنانية نحو حرب أخيرة على محور المقاومة وليس على حزب الله فقط".
على المقلب السياسي الداخلي، وبعيداً عن الحسابات الإقليمية والعسكرية، لن تكون النتائج المترتبة على استقالة الحريري سهلة، خصوصاً على رئيس الجمهورية ميشال عون. اذ ان هذه الاستقالة وإن كان الهدف منها حزب الله، الا ان المتضرر الأكبر هو العهد الجديد الذي حمل معه أملاً كبيراً.
ستكون الخيارات محدودة، والأكيد في هذا الموضوع أن الحريري لن يكون جزءاً منها. واللافت هو التعبئة التي حصلت داخل قوى الرابع عشر من آذار بعد الاستقالة، التي كانت بمثابة "ماء الحياة" لـ"ثورة الأرز" التي بدأت تلملم شتاتها، معتبرة أن ما حصل انتصار لها. عودة 14 آذار للحياة سيصعّب مهمة تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي ستبقى حكومة الحريري صامدة لتصريف الأعمال.
وفي حال بقيت حكومة تصريف الأعمال، فإن وفق الدستور، يحق لها أن تنظّم انتخابات نيابية. وفي ظل اصرار رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري على اجراء هذه الانتخابات، قد يبقى الوضع السياسي على حاله، حتى الوصول إلى انتخابات نيابية مقبلة تغيّر موازين القوى في مجلس النواب. وبعد انتخاب المجلس الجديد، يبدأ العمل على تشكيل حكومة جديدة تعيد الثقة للمواطن اللبناني، ولا تقطع الحبل في منتصف البئر.
في المحصّلة، لا حرب سعوديّة أو اسرائيليّة قريبة، إلا اذا كان الخيار تفجير الوضع ليس محلياً، بل اقليمياً ودولياً، وهو ما ليس متوفّرًا. كما أن الخيارات السياسية ضئيلة، والحل هو ببقاء حكومة تصريف الأعمال التي يتوجب عليها التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، الا اذا خبأ المقبل من الأيام تطورات غير منتظرة، كما حصل مع استقالة الحريري.