"خطاب هادئ وموزون" ، بهذه العبارة يمكن اختصار خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء أمس حيث لاقى رئيس الجمهورية ميشال عون بدعوته الى عدم الاستعجال بالتحليل، بإنتظار فهم السبب الذي دفع رئيس الحكومة سعد الحريري الى الإستقالة، مبقيا على فرضية ان يكون الحريري موقوفا او ممنوعا من العودة الى لبنان حين اعتبر ان التساؤلات التي تطرح في هذا الإطار مشروعة.
بدا نصرالله وكأنه يدعو اللبنانيين من خصوم الحريري ان يرحموه على مبدأ "إرحموا عزيز قوم ذل" لفهمه بكيفية تعاطي السعودية مع حلفائها، ويدعو من جهة اخرى من يهللون لخطوة الحريري كأنها "الفرج" لمشروعهم السياسي الى فهم ما يجري من حولهم وعدم الذهاب بعيدا في رهاناتهم، حيث حاول إظهار الحريري بأنه مغلوب على امره وان قرار الاستقالة منافٍ للسياق العام للسياسة التي انتهجها منذ توليه رئاسة الحكومة، مؤكدا ان حزب الله إنزعج من الاستقالة شكلاً ومضمونا. من جهة اخرى، نصرالله المحصن مؤخرا بنصر عسكري واضح على الجماعات التكفيرية في جرود عرسال ورأس بعلبك والتي يعتبرها "يد السعودية وصنيعتها" في المنطقة، بدا مرتاحا في سياق رده على التهديدات بحرب سعودية على لبنان حيث وضعها في خانة "غير منطقية" لا سياسيا ولا عسكريا.
وفي هذا السياق يؤكد عضو الامانة العامة في قوى 14 آذار نوفل ضو أن "نصرالله في خطابه بالأمس حاول التهرب من مواجهة حقيقة المشكلة التي يعاني منها لبنان والمتمثلة بأن سلاح حزب الله وارتباطاته أدّت إلى نوع من الانفجار السياسي في البلد تُرجم في استقالة الحريري وذلك عبر تقزيم الاستقالة الى مستوى مشكلة بين الحريري والسعودية"، معتبرا ان "هذه المقاربة لا يمكن ان تساهم في الخروج من الازمة، ولكنها تعكس قرار حزب الله في الاستمرار بفرض وجهة نظره على بقية اللبنانيين ورفض اي تسوية حقيقية متوازنة بقوة الدستور اللبناني، وهو يصر على اعتماد موازين القوى المسلحة لفرض تركيبة سياسية على لبنان".
وردا على سؤال حول تقليل نصرالله من اهمية ما اشيع عن امكانية توجيه ضربة عسكرية سعودية للبنان، يشير ضو الى ان "سياسة حزب الله ورطت لبنان في اكثر من حرب اقليمية، واكثر من مشكلة أمنية في الداخل اللبناني، وتجارب اللبنانيين مع الحزب في هذا المجال غير مطمئنة"، وحول دعوة نصرالله للتريث بضعة ايام لتتوضح الصورة يعلّق ضو قائلاً "لسنا بحاجة لبضعة ايام للتعرف على مشكلة عمرها سنوات، والكل في لبنان يعرف ما هي حقيقة الازمة، سنوات طويلة رفض خلالها حزب الله ان يخضع للدستور واخضع اللبنانيين لسلاحه".
من جهته يلفت الباحث في الشؤون الاقليمية والدولية الدكتور حسام مطر إلى ان "خطاب نصرالله كان واضحا لجهة اعتبار ان المشكلة سعودية بحتة، وهو يحاول تحييد الوضع اللبناني قدر المستطاع عن لحظة الانفعال السعودية ومحاولة تخريب الوضع"، مؤكدا ان "السيد نصرالله حيّد تيار المستقبل والحريري مبيناً انهما تحت وطأة الضغوط السعودية"، مؤكدا ان "المسؤولية الاساسية لما يجري هي في السعودية التي تحاول جر لبنان الى الفوضى الاقليمية كما جرّت سوريا والعراق سابقا"، مشددا على ان "نصرالله يحاول بخطابه افشال الهدف السعودي وامتصاص الهجوم الاعلامي على حزب الله للمحافظة على المناخات الايجابية".
ويرى مطر أنه "في ظل غياب المعلومات، اليقين من خطاب نصرالله هو ان المشكلة سعودية، وأنها تحاول تخريب التسوية التي كانت قائمة واعادة تجييش البلاد واحياء الانقسام لمحاولة عزل حزب الله واسنتزافه وارهاقه بفوضى محلية لتعويم فكرة "حزب الله الارهابي" في سياق فردية كبرى تحاول السعودية تقديمها في العالم وهي التطرف الشيعي، وان ازمة العالم اليوم هي هذا التطرف الذي يتزعمه حزب الله وايران، وبالتالي بما ان المواجهة مع ايران غير واردة فالمواجهة هي مع شريكها العربي وهو حزب الله"، مشددا على ان "محاولة العزل هي استكمال للعقوبات الاميركية والتهويل الاسرائيلي".
ويوضح مطر انه "بإنتظار ان تتكشف الصورة سيكون هناك تصعيد اعلامي من "هوامش" 14 اذار السياسيين بالاضافة الى وسائل اعلام واعلاميين مدعومين من السعودية لملء فراغ المرحلة وضخ جو توتر في البلد".
في المحصلة، ركز نصرالله بالأمس على شكل "الفعل السعودي" وابقى "رد الفعل" من قبل الحزب غامضا بإنتظار ان تتضح الصورة ليبني الحزب على الشيء مقتضاه، وهو الذي سعى في وقت سابق لتجنيب الساحة اللبنانية اي صراع حيث دعا من يريد قتال الحزب الى التوجه لقتاله في سوريا. فالسؤال الذي يُطرح اليوم: ماذا سيكون رد نصرالله اذا ما قررت السعودية الذهاب بعيدا في صراعها مع الحزب داخل لبنان؟.