تضطلع نقابات المهندسين في كل دول العالم بدور ريادي في بناء مجتمع مزدهر ومتقدم، والنهوض بالوطن، فنقابة المهندسين كما سائر النقابات المهنية تشكل جزءا مهما من مؤسسات المجتمع المدني، وهذا ينسحب بالطبع على نقابة المهندسين في بيروت، التي من مهماتها الاهتمام بشؤون المنتمين اليها، كما بالمساهمة في التخطيط وتنفيذ المشاريع الحيوية في لبنان، وتحقيق مجموعة من الأهداف هي: رفع مستوى مزاولة مهنة الهندسة والمستوى العلمي والتقني للمهندسين، والحفاظ على حقوقهم، والسعي الى حل المنازعات بينهم وبين زبائنهم، والتدخّل لتحصيل بدلات أتعابهم عند الضرورة، هكذا تقوم النقابة بالتعريف عن نفسها بما خص دورها المهني، أما في تعريفها عن الدور الذي تلعبه على المستوى الوطني، فتساهم في صياغة التشريعات الوطنيّة الخاصة بالبناء وتطويرها، وتتّخذ مع اتحاد نقابات المهن الحرّة المواقف الوطنيّة المناسبة وتقوم على:
*المساهمة والمشاركة لإبداء الرأي في إعداد التشريعات والقوانين التي تعنى بصناعة البناء والبنى التحتية والتنظيم المدني والبيئة والسلامة العامة للمواطنين والمجتمع.
*المشاركة في اتحاد النقابات المهنية الحرة (محامون، أطباء، صيادلة، أطباء أسنان، صحافيون...) لإبداء الرأي في الشؤون الوطنية واتخاذ المواقف المناسبة.
هذا نظريا، أما على أرض الواقع، فوضع النقابة في بيروت كما تكشف مجموعة من المهندسين لـ"النشرة"، ليست كما يتمناها المنتمون اليها، وهي التي نصّت على ان هدفها الأساسي هو تطوير المهنة ورفع مستواها، فضلاً عن تقديم الدعم لأعضائها، من النواحي الخدماتية والعلمية والاجتماعية وتطبيق قانون مزاولة المهنة الخ... اما في عهد النقيب السابق خالد شهاب، فقد فقدت نقابة المهندسين في بيروت أي دور مهني لها، كما فقدت ايضا أي دور على المستوى الوطني، بحسب ما اكد بعض المهندسين للنشرة، فمن مهام النقابة الأساسية المساهمة في وضع الخطط والمشاريع الوطنية مثل النفايات والكهرباء والغاز، بالتوازي مع دور النقابة في وضع المخططات التوجيهية، كما في موضوع الكسّارات، فضلا عن قيامها بدور الضابط للمتخرجين من الجامعات. ويشرح هؤلاء المهندسون انه بعدما كان عدد المتخرجين المهندسين في السابق حوالي الألف سنويا، حينما كانت النقابة عضوا فاعلا في إعطاء الرخص للجامعات، تخطّى اليوم عدد المتخرجين في السنة 3 آلاف مهندس، بعد تخلي النقابة عن هذا الدور.
وبعدما كثرت الأقاويل حيال عهد نقيب المهندسين السابق خالد شهاب، تسلط "النشرة" الضوء على الدعوى القضائية التي تقدمت بها مجموعة من المهندسين المسجّلين في النقابة، وتضمنت المخالفات التي سنذكرها في هذا التقرير، والتي بدأت باعتراض هذه المجموعة ضد ما يحصل في النقابة أمام القضاء المختص، الا ان الردّ لم يأتِ، ما دفعهم الى تقديم دعوى لدى قاضي التحقيق "بلال وزني"، قابلته نقابة المهندسين بتقديم دفوع شكلية، إلا ان القضاء ردّها وقبل الدعوى مثبتا ان المهندسين اصحاب حق بتقديم الدعوى، ليحال الملف الى الهيئة الاتهامية في بيروت، إلا ان النقابة لم تكتفِ بالرد على مجموعة المهندسين باللجوء الى القضاء وتقديم الاستئناف، فبعد فشل المحاولات للضغط على المعترضين للتراجع عن الدعوى، اتخذت النقابة اجراءات ضد المهندسين المعترضين على ادائها، بإحالتهم الى المجلس التأديبي فيها. والجدير بالذكر ان شركة التدقيق في النقابة طالبت بدورها النقابة بتوضيحات ولكنها لم تحظ بأي رد من النقيب السابق خالد شهاب، اما التطور البارز اليوم، فصدور قرار الهيئة الاتهامية، حيث نص القرار على تأكيد حكم القاضي قبول الدعوى ضد نقابة المهندسين، بالشكل والأساس، وبالاجماع.
امّا المخالفات القانونية التي ارتكبها مجلس النقابة السابق:
أولا: ادارة التقديمات الاجتماعية وصندوق التقاعد
*الشركة الضامنة للمهندسين (ادارة التقديمات الاجتماعية وصندوق التقاعد) Next Care وهي تابعة لأحمد الحريري، اما الشركة الضامنة قبلها فكانت(Med Gulf) .
*شركة احمد الحريري التي لزّمت التقديمات الاجتماعية في النقابة، لم تقدم المستندات المطلوبة لترسو عليها المناقصة، فمن المعلوم ان ادارة المناقصات تحصل على مرحلتين، الأولى هي فتح "الظرف الاداري"، وفي حال استوفت الشركة الشروط المطلوبة يصار الى فتح "الظرف التقني"، اما ما حصل مع شركة احمد الحريري التي تقدمت للمناقصة، انها لم تستوف الشروط المطلوبة بحسب "الظرف الاداري" وذلك من حيث عدد المضمونين والسقف المالي، كما انه لم يكن لديها براءة ذمة مالية، ومع ذلك لم يستبعدها مجلس النقابة وخالف القانون بفتح "الظرف التقني" للشركة، لترسو المناقصة عليها في النهاية بعد استبعاد الشركات التي تملك الشروط المطلوبة والتي تقدمت بأسعار أقل من شركة Next Care.
*اما في المأخذ الثاني على هذه الشركة كما تبين بعد ان بدأت عملها، فهو ان السعر السابق المتوجب على المضمونين مع الشركة السابقة، كان للفرد الواحد 270 الى 290$ ليتم رفعه لدى الشركة الجديدة الى 450$ للمهندس سنويا تحت مبررات لا تمت لحقيقة الواقع بصلة بحسب المعترضين، ما يحدث فرقا بـ14 مليون دولار في السنة، اما التقديمات الصحية للمهندسين فلم ترتفع في المقابل بل بالعكس، بسبب عدم تغطية الشركة حالات معينة منصوص عنها في العقد.
ثانيا: المناقصات غير شفافة وغير قانونية
وفق المعلومات التي حصلت عليها "النشرة"، أن المناقصات التي تحصل في النقابة صورية وتنحصر بشركتين على الأكثر، اما الشركات الأخرى فتمتنع عن تقديم عروضها على المناقصات، بسبب فقدان الثقة بالنقابة، لأنها تعرف انها لن ترسو إلا على التي يختارها النقيب، وذلك واضح بطريقة فتح العروض كما تقدمنا اعلاه.
ثالثا: مكتب التدقيق في نقابة المهندسين(عقود التدقيق الفني(
مكتب التدقيق contra-tech الذي يملك فيه خالد شهاب معظم أسهمه، هو الذي فاز بعقود التدقيق الفني من دون اجراء مناقصة في نقابة المهندسين، بالاضافة الى ان هذه الشركة لزمت كل فروع النقابة على الأراضي اللبنانية كافة.
رابعا: المحسوبيات في التوظيف (التوظيفات العشوائية)
ذكرت المصادر عينها لـ"النشرة" انه في آخر فترة من ولاية النقيب السابق، تم توظيف 40 شخصا معظمهم في آخر أسبوع قبل انتهاء ولايته، في حين انه من المفترض ان تقوم لجنة مختصة او شركة بالتوظيف في النقابة وفق معايير واضحة، بدل ان يتم بشكل استنسابي من قبل النقيب او مجلس النقابة، وتذكر المصادر نموذجا عن هذه المحسوبيات:
-جاهدة عيتاني وهي عضو في نقابة المهندسين قامت بتوظيف زوجها هادي شمطي في لجنة التدقيق التي فازت بعقد التدقيق الفني في النقابة.
-القاضي عمر حمزة، وهو أحد مستشاري رئيس الحكومة سعد الحريري، قام بتوظيف نجله في النقابة.
-كريمة بهية الحريري، وظفت زوج ابنتها المهندس عمران في النقابة كرئيس فرع صيدا.
-باسم العويني (مسؤول المهندسين بتيار المستقبل) وعضو مجلس نقابة، قام بتوظيف إبن شقيقته في النقابة.
-أحمد مجد الدين (عضو في لجنة المشاريع في النقابة) قام بتوظيف شقيقته في النقابة.
- بشير ابي عكر (مسؤول المهندسين في الحزب الاشتراكي) قام بتوظيف زوج ابنته، كمال يحيى، في النقابة.
-جورج نعمان (مسؤول مهندسي الأحرار) قام بتوظيف ابنته في النقابة.
خامسا: توظيف النقابة لغير اللبنانيين وإدخال مهندسين فلسطينيين اليها. إنّ توظيف نقابة المهندسين لمهندسين غير لبنانيين، يشكل مخالفة لمبدأ حماية اليد العاملة اللبنانية، وقد سمحت نقابة المهندسين في هذا الاطار بإدخال مهندسين فلسطينيين اليها خلافا لهذا المبدأ، في وقت يعاني المهندسون اللبنانيون من قلة المشاريع ما يدخل في سياق المضاربة الأجنبية في سوق العمل، كما تسمح النقابة لمكاتب الهندسة بتوظيف مهندسين سوريين، ومثال فاضح على ذلك هو ان المكتب الهندسي (للمهندس سمير غاوي) وهو الذي يلتزم برسم خرائط مركز النقابة الجديد في منطقة بئر حسن، يقوم بتوظيف مهندسين سوريين، يعملون على هذه الخرائط.(1)
إن النقابات وجدت بالمبدأ لتنظيم شؤون المنتسبين اليها وحمايتهم بالدرجة الأولى مهنيا، وهذا يتضمن ان يكون عضو النقابة مطمئنا لغده، ويتمتع برغد العيش، علما ان هذه المعطيات التي تقدمنا بها، يجب ان تشكل إخبارا لنقيب المهندسين الحالي، للتصرف وايجاد حلول لحالة النقابة المتدهور على مختلف الصعد، فوقف الفساد أساسي لإعادة النهوض بالنقابة، والمطلوب من النقيب الجديد الذي وصل الى مركزه بفضل حالة رفض المهندسين لهذا الوضع غير الصحي في النقابة، والذي برأيهم حصل نتيجة الفساد الذي تتخبط به النقابة، ان يبادر ويعالج مكامن الخلل، ولذلك المسؤولية التي تقع عليه اليوم، هي مضاعفة، فضلا عن ان ايفائه بوعوده للمهندسين، التي اطلقها خلال حملته الانتخابية، أصبح أكثر من ضروري لإستعادة دور نقابة المهندسين الرائد في المجتمع.
(1) المادة 91 من قانون العمل اللبناني: يشترط في من يريد الانتساب إلى النقابة:
• أن يكون من الجنسية اللبنانية متمتعاً بحقوقه المدنية.
• أن يمارس المهنة وقت الطلب.
• أن يكون قد أتم الثامنة عشرة من العمر.
• ألاّ يكون محكوماً عليه بجناية أو بجريمة شائنة.
المادة 92- يجوز للأجانب أو ينتسبوا إلى النقابة إذا توفرت فيهم الشروط المبينة في الفقرات 2 و3 و4 من المادة السابقة وكان مصرحاً لهم بالعمل في لبنان.