نجحت القوى السياسية اللبنانية حتى الآن، بفضل الجهود المبذولة بشكل رئيسي من جانب كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، في تجنيب البلاد الإنزلاق نحو المجهول بعد إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري، من العاصمة السعودية الرياض، عن إستقالته، عبر الحد من تداعياتها السياسية والإقتصادية والأمنية، من خلال ربط البت بمصيرها بعودة الحريري، لمعرفة الحيثيات التي دفعته إلى إتخاذ هذا القرار، الذي جاء بالتزامن مع حملة الإعتقالات التي إستهدفت شخصيات بارزة في المملكة.
هذا الواقع الغامض من جهة، لا يحجب الضوء عن مجموعة واسعة من الأسئلة باتت تُطرح في الأوساط اللبنانية عن اليوم الثاني لعودة رئيس الحكومة، بغض النظر عما يقال عن إعتقاله أو وضعه في الإقامة الجبرية، نظراً إلى أن الرياض لا تريد أن تبقى الإستقالة معلقة.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن أحداً لا يتوقع أن يعود الحريري عن إستقالته عند حضوره إلى لبنان، نظراً إلى أن الرياض لا يمكن أن تسمح بذلك، وبالتالي فإن زيارته بيروت ستكون مشروطة بالتعبير عن مواقف لا تخرج عن الإطار العام الذي جاءت به الإستقالة، أي الإصرار عليها بسبب التدخلات الإيرانية في البلدان العربية ودور "حزب الله" الإقليمي، وتضيف: "عند ذلك ستكون فترة السماح، التي نتجت عن تريث رئيس الجمهورية في قبول الإستقالة، قد إنتهت رسمياً، وبات من الضروري البحث عن الخيارات المتاحة".
بعد تلك اللحظة، الخيارات الممكنة ستكون قد اتضحت بشكل حاسم، بحسب ما تؤكد المصادر المطلعة، التي تشير إلى أن السؤال الأهم اليوم هو حول رؤية تيار "المستقبل" لشكل ودور الحكومة المقبلة، نظراً إلى أن هناك سيناريو محدد لكل توجه قد يذهب إليه التيار بعد عودة "زعيمه"، وتسأل: "هل يريد الحريري العودة إلى رئاسة الحكومة بشخصه أم من خلال شخصية أخرى يسميها بنفسه"؟، مستبعدة الخيار الأول بعد حديثه عن تهديدات أمنية دفعته إلى الإستقالة، ما يعني أن الخيار الأقرب إلى الواقع هو تسمية رئيس حكومة جديد.
ما تقدم، يدفع المصادر نفسها إلى السؤال عن هوية الرئيس المكلف الذي سيتم إختياره، مشيرة إلى أنه قد يتم الإتفاق على الإسم بين مختلف القوى السياسية الفاعلة وقد لا يتم هذا الأمر، بحيث يكون هناك مرشحين: الأول مدعوم من قوى الرابع عشر من آذار، والثاني مدعوم من قوى الثامن من آذار، وعند ذلك يكون الحسم في يد كل من التيار "الوطني الحر" برئاسة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل و"اللقاء الديمقراطي" برئاسة النائب وليد جنبلاط.
حسم إسم الرئيس المكلف لا يعني النجاح في تشكيل الحكومة سريعاً، من وجهة نظر هذه المصادر، التي تشدد على أن الأهم هو شكل هذه الحكومة ودورها، حيث تستبعد أن يكون طرح قوى الرابع عشر من آذار أن تكون سياسية جامعة، في حين أن قوى الثامن من آذار لن تقبل بأن تكون حيادية، مع العلم أن مهمتها الأساسية ستكون إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة، التي يشدد كل من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، بالإضافة إلى "حزب الله"، على رفض أي تأجيل لها، وفي الحالتين من هي الأسماء التي ستتولى الحقائب الوزارية فيها؟ ما يعني أن النجاح في التكليف لا يعني أن مرحلة التأليف ستكون سهلة على الإطلاق.
بالنسبة إلى هذه المصادر، النجاح في امتصاص حدة الأزمة لا يعني أن العاصفة غيرت مسارها، وبالتالي من المفترض أخذ الإجراءات اللازمة لحصر تداعياتها، والبحث منذ الآن عن الأجوبة على الأسئلة التي ستُطرح بعد عودة الحريري إلى البلاد، أو بعد البت في مصير إستقالته التي لن تبقى معلقة إلى ما لا نهاية، لا سيما أن المواقف السعودية توحي بأن المطلوب هو دفع حلفائها في لبنان إلى مواجهة مفتوحة مع "حزب الله"، لا أحد يعرف إلى أين من الممكن أن تقود البلاد في المرحلة المقبلة.
في المحصلة، الهدوء الذي يسيطر على الواقع المحلي لا يعني عدم وجود أزمة من العيار الثقيل، وبالتالي يجب إنتظار ظهورها بشكل أكبر في الأيام المقبلة.