لا تزال الإستقالة "الزلزال" لرئيس الحكومة سعد الحريري، كما وصفها عدد من المسؤولين اللبنانيين، غامضة من ناحية ظروفها واسبابها "الحقيقية" من جهة، وأشد غموضاً لناحية نتائجها المنتظرة من جهة اخرى. السعودية التي لعبت دور "العرّاب" في الإستقالة توعّدت ان تكون مقدّمة لما هو أعظم مما جعل الشارع اللبناني يعيش في حال ترقب وحذر.
يُجمع المسؤولون في لبنان على خطورة المرحلة ودقتها، في وقت انقسم الشارع اللبناني على مواقع التواصل الإجتماعي بين مؤيد للإستقالة ومعارض لها. المتضررون من التسوية الرئاسية التي أتت بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وسعد الحريري رئيسا للحكومة إستبشروا خيرا، فاعتبروا أن الإستقالة هي بمثابة "ورقة نعي" للإتفاق بين عون والحريري. وذهب آخرون بعيدا باعتبارهم ان ساعة الصفر لهزيمة "مشروع حزب الله"، على حد زعمهم، قد حانت. ورفض آخرون الإستقالة شكلا ومضمونا، مؤكدين انها في الشكل إهانة للبنان دولةً وشعباً لأنها جاءت من عاصمة دولة خارجية، وفي المضمون تشوبها علامات استفهام كثيرة خصوصا وان الحريري لم يطلّ بأي تصريح بعدها ليضع حدا للتأويلات التي سرعان ما انتشرت حول ظروف الاستقالة بدءا من لحظة استدعائه الى السعودية وصولا الى لحظة اعلانه اياها عبر قناة "العربية" السعودية.
وفي هذا الإطار إعتبر اياد ابو شقرا أنه "عندما أسقط حزب الله وتيار عون حكومة سعد الحريري في مطلع 2011 كانت حجتهما شهود الزور، واليوم هو غاضب لأنه رفض أن يكون شاهد زور"، فيما تخوف الصحافي علي الأمين ممّا هو قادم معلقا: "الحريري في وضع اصعب من الاحتجاز يقول على طريقته لست مسؤولا عما سيصيب لبنان في الاتي من الايام"، بدوره لفت الصحافي محمد ضحى الى ان "صمت الحريري رغم كل الشائعات، وجولته الخليجية بدون فريق عمله واقرب المقربين له حيث لا تسريبات عما يحدث تجعل من حزب الله اكثر من مربك"، مشيرا الى ان "تعاطي الإعلام مع الوضع السياسي من لحظة إستقالة الحريري إلى اليوم، هو تعاطٍ سخيف"، مضيفا: "عبارات مخطوف، رهينة، بدلة، ساعة، صورة، ريتز كارلتون" يا حبيبي يا عيني، لبنان صار بقلب المواجهة وطبول الحرب تقرع من صنعاء لبيروت".
من جهة اخرى ظهرت مجموعة من المغردين التي تعاطفت مع الحريري بإعتبارهم ان الرجل أرغم على الاستقالة، فأسف المغرد حسين بزي قائلا: "السعودية أذَلّت عن قصد سعد الحريري، بدايةً في طريقة استدعائه وصولاً إلى إجبارهِ مُرغماً على تقديم إستقالتهِ على أراضيها وعبر شاشةٍ سعوديّة"، من ناحيته إعتبر الصحافي إيهاب ذكي ان "سعد الحريري بغض النظر عن شخصه كرئيس حكومة دولة ذات سيادة وعلى رأس عمله، تم التعامل معه سعودياً بفوقيةٍ وازدراء واستخفاف واستتباعٍ وقح". وإعتبرت المغردة مي خريش ان "الإستقالة أظهرت أن للحريري إحترام ومَوَدّة عند خصومه في السياسة أكثر من حلفائه جماعة الحرية والسيادة والكرامة"، وارفقت تعليقها بهاشتاغ: "سقط القناع". واضافت المغردة زينة كرم "حلفاء الحريري لم يصدقوا انهم انتهوا منه ونحن خصومه ندافع ونسأل عنه".
الحريري الغائب عن التصريحات كان له حصة من الإنتقادات اللاذعة فأكدت الصحافية زينب حاوي أنه "لولا حزب الله لما اتى الحريري الى الحكومة واليوم ينقلب بأمر سعودي لتخريب لبنان الرجل الدمية"، في حين اعتبر المحلل السياسي علي حجازي ان "الحريري كتب باستقالته أول حرف في مشروع تدمير لبنان وأي طلقة رصاص تطلق هو المسؤول الأول والأخير عنها". ولفت المغرّد مهدي عمار إلى ان "الحريري يعلن انطلاق الحرب الأهلية في لبنان من مملكة الارهاب". بدوره علق الإعلامي القطري جابر الحرمي على سفر الحريري الى ابو ظبي ومن ثم عودته الى الرياض قائلا: "رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري يغادر الرياض متوجها إلى أبوظبي يظهر أنه فقد الذاكرة عاصمة بلدك بيروت".
وكان للتعليقات الفكاهية مساحة واسعة على مواقع التواصل الإجتماعي فعلق المغرد اسامة نور الدين على الخبر الذي تم تداوله عن وصول طائرة الحريري الى بيروت دون ان تقله بالقول: "الطائرة التي أتت من السعودية لم تكن لإحضار الحريري، بل أتت فارغة لتأخذ فريق 14 اذار إلى السعودية"، مضيفا في تعليق آخر: "5 ايام على خطف سعد الحريري، طائرة الحريري تريد أخذ الثياب له لانه قد يطيل الإقامة في الريتز كارلتون".
وفي الختام، كما كل حدث ينقسم اللبنانيون ولكن في هذه المرة أجمعوا على امر مهم وهو ان المرحلة دقيقة وخطرة جدا، فهل يتعاطى اصحاب القرار بمسؤولية وطنية؟ ام يذهبون بالبلد نحو المجهول؟ّ.