بعد أن تطرقنا في مقالات سابقة عن تداعيات استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري على الوضعين السياسي والأمني، لا بد من الحديث عن تأثيرات الاستقالة على الشأن المالي في لبنان، خصوصا بظل ما يُشاع عن خوف من عدم استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل العملات الأجنبية وتحديدا الدولار الأميركي.
بعد ساعات قليلة على الاستقالة سرت احاديث بين اللبنانيين عن احتمال نشوب حرب اسرائيلية على لبنان، أو أقله حدوث "هزّات" أمنية داخلية، وترافق الحديث مع توقعات نقلها سياسيون عن عودة الاغتيالات السياسية الى البلد، الأمر الذي وتّر الاجواء ورفع من منسوب القلق لدى الشعب اللبناني. وفي هذا السياق تشير مصادر مطلعة الى أن أول ما يُقلق راحة الانسان بعد أمنه الشخصي، هو أمن امواله لذلك تهافت بعض المودعين في المصارف اللبنانية على محاولات نقل حساباتهم من الليرة اللبنانية الى الدولار الأميركي خوفا من تدهور سعر صرف الليرة، ولكن هذا الإجراء اصطدم بشروط مصرفيّة تحاول تأمين الحماية للعملة الوطنية.
وتضيف المصادر: "منذ فترة اتخذت بعض المصارف قرارا بمنع نقل العملات في الحسابات المجمّدة في الوقت الذي يريده الزبون، وفرضت عليه انتظار موعد استحقاق الفائدة لديه، والذي يكون خلال شهر او ثلاثة أشهر او ستة، وذلك بحسب ما كان الزبون قد قرره بتاريخ الايداع، ونفس الإجراء يسري على طلب اغلاق الحسابات المجمّدة وسحب الاموال، اذ لا يمكن القيام بهذا الفعل سوى بعد تاريخ استحقاق الفائدة، كما أنه لا يمكن للزبون سحب سوى ما نسبته 5 بالمئة من قيمة امواله في حسابه المجمّد في أي وقت يريد".
وتشير المصادر الى أن هذا الإجراء يهدف بالدرجة الأولى الى منع الأزمات من التحكم بعقول المودعين، اذ من المفترض أن تساهم فترة انتظار استحقاق الفائدة بتهدئة خوفهم وانتهاء الازمة التي سببت لهم هذا الخوف. كذلك تكشف المصادر أن عددا من المصارف قررت منع المودعين من سحب كل أموالهم المجمّدة دفعة واحدة للحفاظ على أمن السوق المالي، والتحكم به.
لا شك أن كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن استقرار الليرة اللبنانية هام ومفيد ولكن كما قلنا سابقا فإن "مالك" المال يخاف من فقدانه. وفي هذا السياق يكشف الخبير الاقتصادي غازي وزنة أن 33 بالمئة من الودائع الموجودة في لبنان هي بالليرة اللبنانية وتساوي حوالي 57 مليار دولار أميركي، و67 بالمئة منها بالدولار الاميركي وتساوي 166 مليارا. ويضيف وزنة في حديث لـ"النشرة": "إن الأموال التي يمكن أن تدخل السوق النقدي و"تُقلب" من الليرة الى الدولار بسبب هلع اللبنانيين تسمّى الاموال الساخنة وهي تقدر بنحو 3 الى 4 مليارات دولار"، مشيرا الى أن مصرف لبنان قادر على احتواء هذه العملية من خلال الهندسات المالية التي يقوم بها والتي تمكنه من استعادة العملات الأجنبية التي يبيعها.
ويكشف وزنة أن الخطر على الوضع المالي لا يكون بطلب نقل الأموال من عملة الى أخرى بل بحال "هروب" الودائع الى خارج لبنان. ويقول: "حتى اللحظة يمكن القول أن الطلب على تحويل العملات لم يتخطّ الحد المعقول بظل الازمة التي نعيشها، كما أننا لم نشهد بعد نقلا للودائع الى خارج لبنان ولكن كل هذا يتعلق بطول الأزمة، اذ كلما طالت ازداد التأثير على الوضع المالي"، داعيا الى ضرورة ايجاد حل سريع لما يعانيه البلد لضمان استقرار وضعنا المالي.
الى جانب الحديث عن وضع الليرة، قد يتعرض الاقتصاد اللبناني "للاذية" بحال قررت دول الخليج العربي فرض الحصار الاقتصادي على لبنان، مع العلم أن الميزان التجاري بين لبنان وهذه الدول يسجل عجزا يتجاوز نصف مليار دولار سنويا اذ ان ما يستورده لبنان من الامارات والسعودية والكويت مثلا يفوق بقيمته ما يصدره اليها، انما وبحسب المصادر فإن المخاطر تقع على الاقتصاد اللبناني لانه الحلقة الأضعف بين اقتصادات هذه الدول.
اذا، كما تؤثر الأزمة السياسيّة على الوضع الامني، تؤثر على الوضع المالي، فهل يتمكن المعنيون من تدارك الأخطار الاقتصادية والماليّة المقبلة، خصوصا بعد أن تلقوا وعدا من البنك الدولي باستمرار دعمه للبنان؟.