بعد المقابلة التلفزيونية التي أجراها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، لم يعد مهمّاً التركيز على ما إذا كانت استقالته جبرية أم طوعية، فمضمون المقابلة ـ التي أحيطت بـ»إجراءات مشدّدة» ـ جاء مختلفاً إلى حدّ كبير عن مضمون بيان الاستقالة، وبالتالي لم يعد أحد بحاجة الى أن «يضرب بالرمل» لاستكناه الظرف الذي أحاط باستقالة الحريري. إلا أنّ السؤال المطروح، ما الذي تغيّر في غضون أسبوع؟
واضح أنّ الذين يمسكون بزمام أمور المملكة السعودية اعتقدوا عن سبق غباء، أنّ لبنان الرسمي سيأخذ علماً باستقالة رئيس حكومته، ويذهب الى استشارات ملزمة، لتسمية رئيس جديد يكلف بتشكيل الحكومة، بموازاة ضغوط تمارس على أكثر من صعيد، قد تستثمر من أجل إيصال شخص ربما جرى تحضيره مسبقاً.
غير أنّ التعاطي الرسمي اللبناني الذي تُرجم بموقف لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون يقضي باعتبار الاستقالة غير نافذة، وكذلك كان موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري. هذا التعاطي المسؤول، عطّل السيناريو الموضوع، فبدا الارتباك واضحاً لدى أصحاب السيناريو، خصوصاً بعد إطلاق الرئيس عون مروحة واسعة من الاستشارات الوطنية على مختلف الصعد، السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والروحية للتعامل مع هذا المستجدّ.
ما لم يتوقعه واضعو السيناريو الهدّام، هذا التعامل الجدّي من قبل القيادات الرسمية اللبنانية، وهذا الإصرار من قبل الرئيس عون على المتابعة وإعطاء إشارات واضحة بالتوجّه إلى المجتمع الدولي لجلاء الحقيقة حول الظروف التي يمرّ بها رئيس حكومة لبنان، الأمر الذي أدّى إلى بدء العدّ التنازلي عن سقف مضمون الاستقالة المزعومة.
لكن هل انتهت المحاولات الضاغطة على لبنان؟
بالتأكيد لا تزال الرؤوس الحامية، السعودية منها واللبنانية، تحاول تسجيل نقاط لصالح مشروعها الخبيث، للقول إنها نجحت في تحقيق ما ابتغته، وعليه عاد الحديث عن «النأي». وهي العبارة التي استخدمها الرئيس الحريري تكراراً خلال مقابلته التلفزيونية التي أجريت في الرياض، وضمن الظروف الآنفة الذكر الذي يمرّ بها.
وما يؤكد أنّ وراء الأكمة ما وراءها، هو أنّ الرؤوس الحامية اللبنانية، خرجت لتبني على التزام الرئيس الحريري بالتسوية القائمة، شروطاً عنوانها النأي بالنفس وانسحاب حزب الله من سورية وأزمات المنطقة، في تكرار لما أعقب بيان الاستقالة، ما يعني أنّ هذه الرؤوس لا تزال توهِم نفسها، وتوهِم مشغّليها بأنها قادرة على فرض الشروط، وهذا ضرب من الجنون. خصوصاً أنّ الذين يريدون من المقاومة الانسحاب من أزمات المنطقة، هم مَن شارك في أزمات المنطقة، بواسطة التحريض، ولا زالوا حتى اليوم، يعلنون صبح مساء وقوفهم مع الإرهاب تحت عناوين «الثورة»، ويدعون إلى إسقاط الدولة السورية ورئيسها، فأيّ نأي بالنفس هذا؟!
مَن يطلب النأي بالنفس عن أزمات المنطقة، عليه أن ينأى هو بنفسه عن الممالك والإمارات التي تشنّ حروباً بالجملة لتدمير المنطقة، مباشرة وبواسطة «إسرائيل» وقوى الإرهاب والتطرف.