– لا تنجز التفاهمات بين الدول الكبرى بقمم طويلة بين الرئيسين، ومثل هذه اللقاءات عند حدوثها تكون علامة على عمق الخلافات من جهة وإرادة التفاهم من جهة أخرى، فتنشئ جسوراً يتابع على أساسها الخبراء والمستشارون وكبار الموظفين الدبلوماسيين والعسكريين أما التفاهمات فيصنعها هؤلاء، وعندما تتمّ وتنجز، لا تستدعي إلا ابتسامة متبادلة بين الرئيسين وإشارات بلغة الجسد، وتبادل بعض الكلمات التأكيدية على العزم والصدقية في السير بالتفاهمات بالرضا والقبول. وهذا ما رأيناه في القمم السابقة الطويلة بين رئيسَيْ أميركا وروسيا، وما رأيناه مع بيان التفاهم الورسي الميركي الأخير والقمة عاأأيناه في بيان التفاهم الروسي الأميركي حول سورية، و«القمة عالماشي وعالواقف وعالجالس»، مع تربيت على الكتف وشدّ بالأيدي وابتسامة ونظرات متبادلة.
– التفاهم حول سورية لا يمكن أن يتحقق من دون تفاهم شامل على ثلاثة ملفات رديفة مرتبطة عضوياً به، أوّلها تفاهم حول الملف المؤرق لواشنطن المتمثل بصواريخ كوريا الشمالية وملفها النووي العسكري، قوامُهُ التمسك بالتفاهم على الملف النووي الإيراني كنموذج صالح للتطبيق مع كوريا الشمالية، بدلاً من التصعيد بوجه إيران الذي يقول لزعيم كوريا إنّ امتلاك الصواريخ النووية هو ضمانته لعدم التعرّض لما تتعرّض له إيران، بينما المطلوب العكس، أن يرى الكوريون أنّ مثال إيران نموذج جاذب بما تناله من ميزات ومن أدوار ومن انفراج في العلاقات، لأنها تلتزم سقوف التفاهمات الدولية، وأنّ الضمانات المحيطة بالتفاهم الذي وقعته تجعله غير قابل للاهتزاز، وفي المقابل يرتبط التفاهم حول سورية بالتفاهم على كيفية تخفيض حركة الاعتراض والمشاغبة من الفريقين السعودي و«الإسرائيلي»، وتشجيع الأول على الانخراط في خيار تفاوضي يؤدّي لحلّ سياسي في اليمن، وتشجيع الثاني على الانخراط بحلّ تفاوضي مع الفلسطينيين.
– إطار الحلّ في سورية ترسمه مرحلة ما بعد داعش، التي فرضت منطقها، وتسارعت عناصر الضغط المصاحبة لها، في أسئلة سبق وقدّم السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد أجوبة استباقية عليها، بقوله إنّ على واشنطن ضمان مشاركة الأكراد في الحلّ السياسي السوري، والاستعداد للخروج الأميركي العسكري من سورية، وإلا فالذهاب إلى حرب شاملة، كان يفترض بمن يريدها أن يخوضها تحت عناوين جاذبة أكثر من دعم انفصال الأكراد، وخير لواشنطن أن تتعهّد موسكو الحلّ في سورية، وهو حلّ تحت سقف سياسي عنوانه الانتخابات بعد دستور جديد، كما نصّ القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتوافق روسي أميركي.
– الدور التركي شمالاً عنصر هامّ من وجهة النظر الروسية كضمان للتعاون في إنهاء جبهة النصرة من جهة، وتلازم الحلّ للمشاركة الكردية في الحلّ السياسي بقبول تركي، يضمن انسحاباً تركيا لاحقاً من سورية وفق معادلة الاطمئنان للأمن القومي التركي، وفي المقابل فالدور الإيراني جنوباً ليس موضع مساومة روسي لإرضاء الأميركيين و«الإسرائيليين». فقد سبق وقال الرئيس الروسي لرئيس حكومة الاحتلال قبل شهرين إنّ إيران تملأ فراغاً إقليمياً في سورية ومشاركتها في الحلّ السياسي يجعل حضورها إيجابياً، حتى بالنسبة لخصومها، لأنه يشاركها بتحمّل مسؤولية حفظ الاستقرار، والحرص على التوازن في التعامل مع المكوّنات السورية.
– رغم كلّ ما يبدو من مؤشرات الحروب، وإشارات التصعيد، لا يمكن تجاهل معاني إعلان موسكو وواشنطن عن تفاهم وصفاه بالتاريخي، ولا تجاهل التراجع الكردي في العراق عن الانفصال بزمن قياسي من دون تحرّك لحرب أميركية و«إسرائيلية» وسعودية كانت وحدها فرصة حرب لها أفق، ولا كذلك تجاهل التراجع السعودي أمام لبنان، والتراجع السعودي في ملف حصار اليمن، والحاجة للنظر نحو حال الاستنفار «الإسرائيلية» والاعتراض على مضمون التسويات، والحديث عن العزم على التدخل حيث تدعو المصلحة «الإسرائيلية» التدخّل، بصفته تكراراً لما سبق وقاله «الإسرائيليون» مع توقيع التفاهم على الملف النووي الإيراني.
– كثيرون في واشنطن يقولون اليوم إنّ تعزيز الدور الإيراني الإقليمي كضامن للاستقرار، هو أكثر من مجرد رسالة تشجيع لكوريا الشمالية لقبول لغة التسويات، بل هو استثمار على العلاقة بقوة صاعدة والاستعداد للتعامل مع تراجع الحلفاء التقليديين الذين يعيشون زمن الأفول رغم المكابرة والإنكار وما فيهما من حفلات جنون.