مع نشوب الأزمة التي بدأت السبت الماضي مع اعلان رئيس الحكومة سعد الحريري الموضوع تحت الاقامة الجبريّة استقالته من السعودية، ظنّ الجميع أن الدنيا ستقوم ولن تقعد وأن فترة الاستقرار التي نعم بها لبنان منذ مدّة إنتهت الى غير رجعة، لتحل مكانها الصراعات الداخلية متزامنة مع انهيارات في الدولة أقلها على المستوى الاقتصادي والنقدي... هذه الازمة استطاع رئيس الجمهورية ميشال عون استيعابها وتوحيد الموقف اللبناني خلف مطالبة السعودية بالافراج عن رئيس الحكومة المحتجز لديها وعائلته.
الموقف الذي اطلقه الرئيس عون من الداخل يستكمله اليوم وزير الخارجية جبران باسيل من خلال جولته الخارجية التي تشمل العواصم الأوروبية في مسعى لتوحيد الموقف الدولي الى جانب لبنان في هذا الظرف، وهو يأتي تكملة لموقف الرئيس عون. هذا ما تؤكده الكاتبة والمحللة السياسية سكارليت حداد، لافتةً الى أن "هذه الجولة لم تحصل فجأة بل إن المواقف الدولية التي سبقت حصولها وخصوصاً موقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي اتصل بالرئيس عون وتحدث معه هاتفيا مطولاً هي التي شجعت على حصولها"، مشيرةً الى أن "لبنان استطاع أن يشكل ضغطاً على السعودية وتمكن من قلب المعادلة فباتت الرياض مضطرة الى أن تقدم التبريرات". في حين أن الباحث في الشؤون الدولية جمال واكيم يرى أن "السعودية تعاملت مع الحريري على أنه موظّف لديها وحتى لو كان يحمل الجنسية السعودية ومتهم بقضايا معينة، وهو توجه اليها بصفته رئيسا للحكومة اللبنانية ولا يحق لها احتجازه، لأن ذلك يعد انتهاكاً للأعراف والقوانين الدولية ولاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي وقعت في العام 1961"، معتبراً أن "السعودية وبالعمل الذي قامت به عادت الى القانون القبلي".
في الأيام الماضية كان موقف روسيا واضحاً وجازماً عندما أعلنت أنه وفي حال بقي الغموض يلف مصير الحريري فإنها سترفع هذا الأمر الى مجلس الأمن. هنا يشير واكيم الى أنه "وفي حال فعلتها روسيا فإن الصين وبريطانيا ستجاريانها كذلك فرنسا وقد بات موقفها واضحا، خاصة وأن ماكرون زار الرياض وتطرق الى ما حصل مع الحريري وأعلن تأييده للجانب اللبناني، ليبقى عندها موقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وعندها ستظهر "فضيحة" تورط أميركا في هذه المسألة بعد موقفها". أما سكارليت حداد فتعتبر أن "ذهاب لبنان الى مجلس الامن ليس سهلاً خصوصاً وأنه دولة صغيرة تقدم شكوى على إحدى اهم الدول في العالم العربي وهي السعودية، وفي حال لم يتم الافراج عن الحريري خلال هذا الاسبوع فإن لبنان متجه للقيام بهذه الخطوة، وجولة باسيل والتحركات التي يقوم بها عون هدفها تقوية موقف لبنان وتوحيد الدول خلفه".
ما يقوم به باسيل في هذه الازمة يعيدنا بالذاكرة الى أزمة كبرى مرّت على لبنان عام 1996 وتحديداً الى "عناقيد الغضب" يوم اعتدت اسرائيل على لبنان، آنذاك لعبت الدبلوماسية دوراُ هاماً عبر التحرك الذي قام به رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري والذي طال عواصم العالم بأسره وأسفر عما يسمى "بتفاهم نيسان" ووقع بتاريخ 26 نيسان 1996 الذي أوقف العدوان على لبنان بمشاركة فرنسا والولايات المتحدة وسوريا اضافة الى لبنان واسرائيل وغيرهم. الوضع في لبنان يشبه تلك الأيام ولكن بشكل مختلف والتحرّك الذي يقوده الرئيس عون ويستكمله باسيل في الخارج مشابها الى حد كبير للوقت آنذاك، ولكن بفارق كبير أن رفيق الحريري استطاع لعب هذا الدور لصداقاته الخارجية وعلاقته بالسعودية، أما اليوم فالإنجاز اللبناني الثاني هو بقوّة لبنانية سيسجله التاريخ للرئيس عون!