تتفنن الولايات المتحدة الأميركية في معاقبة دول العالم ماليًّا في أي وقت تشاء وفقا لمصالحها الذاتية، ولطالما عانت الجمهورية الاسلامية في ايران من هذه القدرة اللامحدودة للسلطة الأميركية، فالتجميد الأميركي للأموال والأصول الايرانيّة بدأ منذ زمن سقوط الشاه عام 1979، واستمرّ بعدها بأشكال مختلفة حتى ناهز حدود الـ120 مليار دولار أميركي، في الولايات المتحدة الأميركية والعالم.
استغلّت دول العالم وجود الأموال الايرانيّة فيها للاستثمار السياسي، وكان واضحا أن اعادة الأموال لن يكون مجانيًّا بل مقابل تنازلات واتفاقات، الأمر الذي يجعل من هذه المقايضة "غير العادلة" والمغطاة بقوانين دولية وقرارات رفيعة المستوى امرا "مشروعا" في التعامل بين الدول، فهل يمكن للبنان حجز الأموال والأصول السعوديّة فيه كورقة ضغط مقابل عودة رئيس الحكومة سعد الحريري أو حفاظا على حقوق اللبنانيين العاملين بالخليج بحال تم طردهم؟.
بداية تشير مصادر مطلعة على الوضع السياسي القائم الى أن الأزمة اللبنانية السعوديّة تتجه الى مزيد من التصعيد بعد "تعنّت" سعودي كامل وعدم تعاون بقضيّة رئيس الحكومة سعد الحريري، وخصوصا وان ولي العهد محمد بن سلمان أبلغ الفرنسيين أن "قضية الحريري هي شأن عائلي سعودي"، الأمر الذي خلق خوفا مباشرا وحقيقيا على "شخص" الحريري وسلامة عائلته. وتضيف المصادر: "انتظر لبنان الرسمي نهار الأمس الأربعاء لعودة الحريري المفترضة رغم الاشارات التي وصلت الى بعبدا بعدم عودته، ولكن التريّث كان لإفساح المجال أمام وساطة عربيّة تحاول تخفيف حدة الأزمة بين الرياض وبيروت"، كاشفة أن تصعيد رئيس الجمهوريّة ميشال عون أتى بعد فشل الوساطة مباشرة.
بالعودة الى السؤال الأساسي في هذا التقرير، يؤكد الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان أن حجز الأموال السعوديّة في لبنان يعدّ أمرا غير قانوني بشكل كامل. ويضيف في حديث لـ"النشرة": "إن الاصول إن كانت ثابتة أم متحركة لأيّ شخص او دولة موجودة في لبنان، لفرد أم لمؤسسات حكومية وغير حكومية، غير خاضعة للحجز سوى بقرار قضائيّ، وإنّ أي أمر مخالف يعتبر تعدّيًا على الأفراد والدول.
ويشير بو سليمان الى أن حجز الأموال الايرانيّة من قبل الأميركيين وغيرهم من الدول يستند الى قرارات مجلس الأمن الدولي وقرارات العقوبات الاميركية على إيران الصادرة عن الكونغرس ومجلس الشيوخ، وبالتالي لا يمكن حتى للولايات المتحدة الأميركية ان تحجز الأموال الايرانية من دون غطاء قانوني. ويقول: "لا يمكننا اصدار قرار عقوبات على السعوديين في لبنان ولا يمكن حجز أي أموال أو ايداعات بالمصارف اللبنانيّة سوى باتباع الاصول القانونية والقضائية".
اذا، لا يمكن حجز الاموال السعودية في لبنان ولا يمكن للسعوديين أيضا حجز الأموال اللبنانية لديهم، ولكن هذا لا يعني أن السعودية لا تفكر بالتوجه نحو معركة اقتصادية ضد لبنان. وفي هذا السياق تشير مصادر مطلعة الى أن السعوديين كانوا بصدد اتخاذ اجراءات اقتصادية قاسية بحق بيروت بعد 4 أيام على استقالة الحريري، الا أن التدخل الفرنسي الأميركي فرمل هذا التوجه حتى اشعار آخر.
وفي نفس السياق يرى بو سليمان أن الاجراءات الاقتصادية التي يمكن للسعودية أن تقوم بها ضد لبنان تتمثل بمنع السفر اليه وإيقاف رحلات الطيران منه وعبره، وأن تتمنى من المستثمرين السعوديين سحب أموالهم من المصارف اللبنانية وايقاف استثماراتهم، ومنع الاستيراد او التصدير. وبالمقابل تجد المصادر أن بإمكان لبنان أن يتخذ نفس الاجراءات بحق السعودية، وأن يبحث عن اسواق جديدة ستكون متاحة له كون الدول العربية اليوم غير قادرة على اتخاذ موقف موحّد من القضايا التي تحصل في عالمنا العربي.
وتضيف المصادر: "قد يكون الميزان التجاري بين لبنان والسعودية لمصلحة الاخيرة، الا أن ذلك لن يزيد الاقتصاد اللبناني "التعِب" تعبًا، وبالتالي لم يعد لبنان ذلك البلد الممزّق الخائف على نفسه، والمستعد لأن ينفذ ما يريده الأخرون من دون تعليق او رفض.
لم تبدأ بعد المعركة الاقتصاديّة بين لبنان والسعوديّة، ولكن، وإن كان ممنوعا حجز الأموال والأصول، الا أنه لن يكون مسموحًا استباحة لبنان من دون ردّة فعل دفاعيّة ستبقى مستترة بانتظار القادم من الاحداث.