لو لم يكن رئيس الحكومة سعد الحريري محتجزاً في السعودية، لتصدَّر خبر توقيف مصطفى الحجيري المشهور بـ«أبو طاقية» المشهد العام. الرجل الذي ينافس فنانين وسياسيين في «النجومية»، قُبِض عليه من دون جلبة. وقع الخبر كان مفاجئاً، ولا سيما أنّه جاء بعد مرور أشهر على تواريه إثر دهم الجيش لمنزله بعد معركة تحرير الجرود اللبنانية في آب الفائت.
يومها راجت شائعة تفيد بأنّ ثلاث سيارات مزوّدة بزجاجٍ حاجبٍ للرؤية تابعة لجهاز أمني رسمي، دخلت البلدة وهرّبت «أبو طاقية». هذه الرواية كانت متداولة بين العراسلة حتى صباح أمس قبل أن تسقط بالتزامن مع عملية توقيفه، ولا سيما أنّ «صيت» الشيخ في بلدته مصبوغ بأنّه يتعامل مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، في مقابل معلومات تؤكد أنّ الرجل بايع الأمير العام لـ«جبهة النصرة»، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) باليد، في دلالة على قربه من مركز القرار في التنظيم، فضلاً عن دوره في مساعدة رجال «القاعدة في بلاد الشام» على إيجاد موطئ قدمٍ لهم على الأراضي اللبنانية. فماذا حصل فعلاً؟
هل اتُّفق على تسوية تقضي بـ«تنظيف» ملف الحجيري بعد توقيفه؟ ثم تقرّر أن يُسلِّم نفسه في حمأة الانشغال بقضية احتجاز الرئيس الحريري في السعودية كي لا يلتفت أحد إلى توقيفه؟ أم أنّ الحظ العاثر أوصله بقدميه إلى قبضة استخبارات الجيش؟ هذه التساؤلات ستبقى من دون أجوبة، على الأقل في الأمد القريب، ولا سيما أنّ ملف التحقيق مع نجله عبادة الحجيري الذي أوقف أوائل أيلول الماضي بقي طيَّ الكتمان.
وكان لافتاً أن يمرَّ توقيف الشخصية العرسالية الأكثر جدلاً طوال السنين الأربع الماضية بهذا الهدوء. إذ لم يُسجّل أي ردّ فعل يُذكر، ما خلا دوي أربع رصاصات سُمِع فجراً، لكنّ أحداً لم يعلم إن كانت مرتبطة بعملية الدهم التي نفّذتها قوّة من استخبارات الجيش فجراً في محيط مسجد السلام حيث كان يختبئ الحجيري. ولدى بعض أهالي البلدة قناعة راسخة بأنّ الحجيري لن يبقى طويلاً في السجن، علماً بأنّه مشتبه فيه بالتورط بالمشاركة مع «جبهة النصرة» في خطف العسكريين عام 2014 بعد إيهام الدولة اللبنانية بأنه يحميهم. كذلك يُشتبه بضلوعه في اتخاذ قرار يتعلّق بإعدام أحد العسكريين المخطوفين. ويُتّهم أيضاً بالتورط في تجارة السلاح وأعمال الخطف مقابل فدية والتفجيرات التي نفّذتها «جبهة النصرة» في الداخل اللبناني.
وعلمت «الأخبار» أنّ استخبارات الجيش دهمت قبل أسابيع مستودعاً يملكه الحجيري عثرت داخله على كميات من الأسلحة ومواد تُستخدم في عمليات التفجير. كذلك ورد اسم الحجيري في ملف قتل الشهيد بيار بشعلاني والمؤهل إبراهيم زهرمان في ما عُرف بـ «غزوة عرسال الأولى» في آب 2013. إزاء كل ما تقدم، ورغم التورّط الأمني إذا ثبت ضلوع الحجيري فيه، فإنّ «المظلّة السياسية» قد تحمي الرجل، ولا سيما أنّ معظم أفراد خلية الأزمة التي تابعت ملف العسكريين المخطوفين أجمعت على الدور الإيجابي الذي لعبه أثناء المفاوضات. هذه «الصورة الطيبة» بقيت مرسومة عن «المفاوض» الغامض الذي ظهر فجأة على شاشات التلفزة في فيديو مُسرّب عرضته قناة «الجديد»، لا معترضاً فقط على قرار «النصرة» مغادرة عرسال، بل مهدّداً بحمل السلاح لقتال الجيش. لم تكن تلك السابقة الأولى للشيخ «أبو طاقية». خرج الرجل نفسه قبلها بسنوات من على منبر مسجده محرِّضاً على قتال الجيش.
تجدر الإشارة إلى أنّ مديرية التوجيه في الجيش أعلنت في بيان توقيف الحجيري ومباشرة التحقيق معه بإشراف القضاء المختص.