لستُ ناطقاً باسم العلويين في لبنان، ولكنني أنقلُ بصدقٍ مشاهداتٍ ومواقفَ.
لمْ أكن أتخيل للحظة ما أن يأتي يومٌ وأرى فيه مجتمعنا بأغلبيته يتألم متضامناً مع رئيس الحكومة سعد الحريري حسب فهمه أنه محتجز في السعودية. هي السياسة فرَّقَتْ، لتأتِ المواطنة والإنسانية حتى تجمع.
السياسة اللبنانية التي لطالما خافت منها الطائفة العلوية، لأنها كما قال شاعرها الكبير بدوي الجبل(1903- 1981): وَلَقَدْ جَزعتُ من السياسة، إنّهاغولٌ، وَهَلْ تَلِدُ السَّلامة غولُ؟. وهي كما يتداولون عن شاعرهم الراحل حامد حسن(1915- 1999): "شبحُ البغيِّ يزورُ بيت العابدِ".
نعم، إنها السياسة: وقول السياسة كلّه تدجيلُ، وَرُبَّ ضارَّةٍ نافعةٍ.
جاءتْ صدمة احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية في المملكة السعودية لتقلبَ حسابات الكثيرين وتحولَ مشاعرهم الغاضبة ضده إلى غاضبةٍ معه.
هي المشهدية السياسية التي تجلّتْ بكل وضوح أمام كلِّ لبناني مُنصفٍ، والتي حملتْ في مضامينها كُلَّ استنهاضٍ للغيرة الوطنية ضد الإحتجاز الذي فاق كلَّ اعتداءٍ خارجيٍّ رُبما. وصولاً إلى المقابلة التلفزيونية الشهيرة التي أكدتْ لهم ما كان عندهم مجالَ أخذِ وردٍّ من احتجازِهِ أم لا؟. فَمِنْ ملامحه الحزينة، ولهجته البائسة، وكلماته المُحبَطة، إلى غَصَّاتِهِ العطشى، إلى دمعته غير المتماسكة، إلى خوفه المشروع على أولاده، إلى...
كلُّ تلك المشهدية بكل تفاصيلها زادتْ من قهرنا على رئيس حكومتنا اللبنانية. فبين تعاطفٍ مع منصبه كونه رمزاً من رموز سيادة لبنان العظيم، وتعاطفٍ مع وضعه الإنساني راحت مشاعر العلويين تتوزع بكل أسفٍ عليه، ورجاءٍ بعودته سالماً إلى أحضانِ الوطن.
صحيحٌ أنَّهُ لم يصدر أي بيان عن القائمِ بمهامِ المجلسِ العلويِ المُمَدَّدِ له منذ نشأته محمد عصفور، ولا عن عديله النائب الممدِّدِ لنفسه 3 مراتِ خضر حبيب يعبّر عن التعاطف مع مركز رئاسة الحكومةِ اللبنانية حالهم حال كل المرجعيات السياسية والدينية، فهذا شيءٌ لا يتحمل مسؤوليته إلاَّ رئيس الحكومة نفسه. أليس النائب من تيارهِ، ونائب رئيس المجلس العلوي مُدِّدَ له بناءً على اقتراح عديله النائب وتوقيع الشيخ سعد الحريري؟. ولنقلها بصراحة بعيداً عن الألقاب: سعد الدين الحريري منذ استشهاد والده عام 2005 لم يستطع أن ينظر إلى العلويين سوى أنهم ملحقون بالنظام السوري وغالبيتهم العُظمى لا يحملون سوى الجنسية اللبنانية، بينما هو وأغلب قيادات هذه الجمهورية يحملون جنسية أخرى، وانتماؤهم مزدوج بالإشتراك مع دولةٍ أخرى، رهينة توافقٍ سياسي ينقلبُ عداوةً حال اختلال العلاقة الثنائية.
لذلك لم يعمل يوماً على ملاقاتهم ولو بمنصبٍ يُسكت ولو قليلاً صرخاتهم. وبالرغم من كل هذا فقد شعروا بالقهر عليه بعد أن قهرهم. وتحسسوا كثيراً عليه في لحظات ضعفه، مع أنه قد يكون السبب الأكبر في إضعافهم في لبنان. 12 يوماً أو أكثر تمَّ حجز رئيس حكومتنا، و12 سنة أو أكثر تم حجز حقوقنا من قبل تياره. سعد الدين الحريري الذي لم يورث شركاءه العلويين في وطنه الأول لبنان، إلاَّ الظلم لتمثيلهم والسلب لحريتهم الديمقراطية، والتضييق عليهم في كل مراكز الدولة حتى الصغيرة منها، كانوا بالمقابل في هذه الأيام العصيبة التي يعيشها هو يترقبون بكل صدقٍ خروجه من أزمته. ذاكرة العلويين بكل صراحة لا تحفظ شيئا جميلاً واحداً لهذا الرجلِ. بل بالعكس هي مشحونة بالظلم والقهر منه. وجاءت هذه الجزئية الصادمة لترتفع عن كلٍّ قهرٍ منهُ، وتعلو على كُلِّ جرحٍ سببَّهُ، لتنصبَّ المشاعر كلّها في خانة التضامن معه بعيداً عن قرف السياسة، حبًّا بوحدةِ لبنان، وانتفاضة لكرامته. فهل سيبني رئيس حكومتنا العائد إلينا بتعديلاتٍ جديدةٍ على هذه الحالة المستجدة ليعيد لهذه النفوس المتضامنة معه حقوقها؟.
بدءاً من مساعدتنا في استكمالِ هيئات المجلس العلوي، وذلك، بالدعوة مباشرة إلى انتخابِ رئيسٍ له بعد شغور هذا المركز، والذي بيد رئيس الحكومة قراره، كي يمارس المجلس الجديد دوره الطبيعي في مساعدة العلويين على اختيار ممثليهم في المجلس النيابي الذي صرنا نحلم بنائب يمثلنا فيه، والبدء في مسيرة تحصيل الحقوق وانخراط العلويين في الدولة بما يليقُ. أم سنكون نحن مكسر العصا، وفشة الخلق الضعيفة المعروفة تبييضاً لوجه من احتجزه؟.
هذا ما ستكشفه لنا الأيام اللبنانية التي ما بخلتْ علينا لحظةٍ بعداواتها وسفاهاتها.