صعّدت الإدارة الأميركية ضغوطاتها ضد القيادة الفلسطينية في محاولة لابتزازها.
فقد رفض وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون التوقيع على المذكّرة الدورية التي تصدر كل 6 أشهر للسماح بإبقاء مكتب "منظّمة التحرير الفلسطينية" مفتوحاً في واشنطن، على الرغم من انتهاء مفعول المذكّرة السابقة بتاريخ 18 تشرين الثاني الجاري.
ووجّهت الخارجية الأميركية رسالة إلى الخارجية الفلسطينية تُفيد بأنّ "وزير الخارجية لم يتمكّن من إيجاد ما يكفي من الأسباب للإبقاء على المكتب مفتوحاً".
وتذرّعت الإدارة الأميركية بأنّ الفلسطينيين يخالفون قانوناً أميركياً ينص على "ضرورة غلق بعثة "منظّمة التحرير" إذا ما قام الفلسطينيون بالتوجّه إلى "المحكمة الجنائية الدولية" لمحاكمة "إسرائيل" على جرائم بحق الفلسطينيين".
واعتبرت أنّ "الرئيس الفلسطيني محمود عباس تجاوز هذا الخط، عندما دعا "المحكمة الجنائية الدولية" للتحقيق في تصرّفات "إسرائيل" ومحاكمتها".
وكانت فلسطين التي انضمّت إلى "الجنائية الدولية" في نيسان 2015، وتقدّمت بطلب ‘لى "الجنائية" لتحيل على المجلس القضائي، فتح تحقيق لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وفرض الحقائق على الأرض، والاستيطان والأسرى.
وتأتي خطوة إدارة الرئيس دونالد ترامب، في إطار ممارسة الضغط على القيادة الفلسطينية لإجبارها على تقديم تنازلات تساهم في تسهيل مهمته في إطار إطلاق "صفقة القرن" التي يزمع الرئيس الأميركي إطلاقها لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي.
ويبدو أنّ الجانب الفلسطيني، هو العائق الوحيد في وجه تحقيق التسوية، وفق المنظور الأميركي - الإسرائيلي، والاعتقاد بأنّه بإمكان البعض المفاوضة عن الفلسطينيين، الذين يصرّون على التمسّك بحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 وفق "مبادرة السلام العربية".
هذا علماً بأنّه، بعد مضي عام على انتخاب ترامب، لم تقدّم إدارته أي أفكار تتعلّق باستئناف عملية السلام، على الرغم من اللقاءات المتعدّدة مع الرئيس عباس.
ويتأكد يوم بعد آخر، استمرار انحياز الإدارة الأميركية للكيان الإسرائيلي، فبدلاً من الضغط على حكومة الإحتلال لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ووقف توغّل الإستيطان، ومصادرة الأراضي والاعتداءات، والاعتقالات، وحرب الإبادة ضد الفلسطينيين، تحاول ابتزاز الفلسطينيين بتجديد افتتاح مكتب بعثة فلسطين في واشنطن، مقابل وقف ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين في "المحكمة الجنائية"، والمطالبة بالتحقيق في جرائم الإحتلال ومحاكمته.
ويترقّب عقد اجتماع بين الرئيس الأميركي والخارجية الأميركية، لتحديد كيفية التعاطي مع هذه القضية، حيث لدى ترامب 90 يوماً ليقرّر ما إذا كان الفلسطينيون مشتركين في مفاوضات مباشرة وذات مغزى مع "إسرائيل"، وإذا فعل ذلك يستطيع الفلسطينيون الحفاظ على مكتب بعثتهم.
وتشكل خطوة الإدارة الأميركية غير المسبوقة، تصعيداً سياسياً يعرقل عملية السلام، ويفقدها الحياد بأنّها راعٍ للعملية السلمية، وتؤكد أنّها طرف منحاز لصالح الكيان الإسرائيلي.
وتدرك إدارة ترامب خطورة هذه الخطوة، حيث لوّحت السلطات الأميركية بأنّها ستحافظ على العلاقة مع الفلسطينيين حتى لو تم إغلاق مكتبهم.
وكان الرد الفلسطيني واضحاً، بعدم الرضوخ للإبتزاز والضغوط الأميركية، سواء بشأن مكتب المنظّمة في واشنطن أو المفاوضات، حيث لوّحت فلسطين بتعليق الإتصالات مع واشنطن لأنّها لا تمثّل راعياً للسلام.
وتابع أمين سر اللجنة التنفيذية لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" الدكتور صائب عريقات هذه القضية، حيث وجّه رسالة خطية إلى الخارجية الأميركية، مؤكداً "سنعلّق كل اتصالاتنا معكم إلى حين إعادة فتح المكتب".
فيما أشار الناطق بإسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة إلى أنّ "لقاءات الرئيس محمود عباس والرئيس دونالد ترامب تتميّز بتفاهم كامل حول خطوات تمهّد لخلق أجواء تسمح باستئناف عملية السلام".
بينما سارع مكتب رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو للترحيب بالتقارير حول التهديد الأميركي بإغلاق مكتب "منظّمة التحرير" في واشنطن.
وجاء في بيان صادر عن مكتبه: "إنّ الأمر يتعلّق بالقانون الأميركي، ونحن نثمّن هذا القرار، ونأمل مواصلة التعاون مع الإدارة الأميركية للمضي قُدُماً بالسلام والأمن في المنطقة".
وتزامن الضغط الأميركي مع الإنجازات والمكتسبات التي حقّقتها فلسطين بالدخول إلى أكثر من منظّمة ومؤسّسة دولية، ليس آخرها إلى منظّمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول"، والإنتصار في منظّمة
"اليونيسكو" بإدراج المدينة القديمة والمسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية المحتلة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي.
وكذلك تنفيذ بنود المصالحة الفلسطينية وفق الجدول الزمني الموقّع بين حركتَيْ "فتح" و"حماس" برعاية وضمانة مصرية، مع توجّه القيادات الفلسطينية إلى القاهرة للمشاركة غداً (الثلاثاء) في الإجتماع الموسّع الأوّل الذي يُعقد منذ فترة طويلة، لبحث جدول أعمال حافل يؤدي إلى استكمال آليات تنفيذ التفاهمات التي اتُّفِقَ عليها، بما يؤدي إلى تمكين "حكومة الوفاق الوطني" من تسلّم كافة مهامها في قطاع غزّة، وتفعيل وتوسيع "منظّمة التحرير الفلسطينية" وهيكلة وبناء الأجهزة الأمنية في القطاع، وتشكيل "حكومة وحدة وطنية" وإجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني.
وفي إطار استكمال آليات تنفيذ بنود المصالحة، جرى فتح معبر "رفح" البري الذي يربط القطاع بمصر أمام الحالات الإنسانية، وذلك للمرّة الأولى بإشراف وإدارة هيئة المعابر والحدود في "حكومة الوفاق الوطني"، بانتظار استكمال باقي الخطوات لافتتاح المعبر بشكل طبيعي.