تجزم مصادر مطلعة لـ «البناء» نقلاً عن أوساط سياسية غربية أن المملكة العربية السعودية لم تحسم حتى اللحظة صورة التعاطي مع إيران أو المواجهة التي رسمت بدايتها الجديدة انطلاقاً من لبنان، وبالتالي فإن أياً من الخطط الواضحة المعالم لم تأخذ بها العواصم الغربية، خصوصاً الأوروبية منها، وهو ما فاجأ دولاً أوروبية كثيرة كألمانيا إثر استقالة الحريري التي أتت خارج التوقعات واعتبرت الأوساط الأوروبية أن هذا دليل على ان المملكة العربية السعودية لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح اصدقائها في العالم، خصوصاً أن المنطق الأوروبي يتجه نحو تعزيز وتدعيم الاستقرار في لبنان تمهيداً لدخول مرحلة جديدة بالمنطقة، وبهذا الإطار قالت اوساط دبلوماسية غربية لـ«البناء» إن العواصم الأوروبية كانت بأجواء التحضير لإعادة إعمار سورية انطلاقاً من لبنان، فكيف يمكن تفسير المخاطر التي تضع فيها المملكة مصالح هذه الدول بعد هذه الخطوة وكيف يمكن الوثوق مجدداً بأن أي خطوة ارتجالية لن تلوح في الأفق؟
وتختم المصادر الدبلوماسية بالتأكيد أنه «في الوقت الذي تتجه الدول الغربية الى فتح السفارات في سورية وتحضير أرضية باتت الأروقة الدبلوماسية والسياسية كلها محاطة بها، وتتجه الى اعادة علاقاتها مع الرئيس السوري بشار الاسد في سورية، لن يكون هناك أحد مستعداً لدعم مقاطعة لبنان، لأن شيئاً لا يفسّر ذلك مع يقين الجميع ضرورة الاستقرار في لبنان للإطلاق في تسوية سورية منتجة».
تقول صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن المملكة العربية السعودية تختار المعارك الخاطئة لمواجهة إيران، وأنها لا تعرف حتى اللحظة كيف ستواجهها فلا شيء واضح لقد اختارت المعركة في اليمن وفي لبنان وكلتاهما مكلفتان، لأن التوازنات الحقيقية هي في سورية والعراق وإيران. وفي الواقع في الاثنتين «متقدمة» إيران خطوة الى الامام. لقد «اختارت المملكة العربية السعودية» حسب الصحيفة الأميركية» أن تواجه إيران عبر سورية عام 2011 ودعمت الحرب الأهلية الدائرة هناك ليتبين لاحقاً أن مستقبل سورية يُحدّد في كل من روسيا وتركيا وإيران».
اللافت أن الصحيفة تتحدّث عن دعم السعودية بمليارات الدولارات لحكم السيسي ليتبين بالمحصلة ان السيسي يفتح علاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد ويرفض إجراءات التصعيد ضد إيران ورفض ايضاً الدخول في عاصفة الحزم في اليمن لقتال «الحوثيين».
ما تقوله الصحيفة الأميركية عن مصر يتكرّر اليوم فهي أول مَن رفض الإجراءات التصعيدية ضد حزب الله في لبنان والدولة العربية التي تصرّ على إبقاء دور مقبول من قبل جميع الاطراف، ربما تحجز مصر مكانة جدية في المعادلة المقبلة، وربما تجد دعماً دولياً في هذا، خصوصاً روسيا، حيث ستكون تخريجة الحلول طالما ان القوات الروسية صارت في المنطقة عدة وعتاداً وقوة سياسية ليس وارداً الحديث عن انسحاب سريع منها. الأكيد أن السعودية خسرت تأييداً عربياً يجيّر لصالح مصر اليوم.
وإذا كانت المشكلة مع لبنان هي «حزب الله»، فالمشكلة مع قطر ظاهرها دعم قطر للإرهاب وباطنها تأييد قطر لجماعة الإخوان المسلمين أو انتمائها اليها في مكان ما. وبغض النظر عن الفوارق فإنه وبالحساب الخليجي تمثل جماعة الإخوان المسلمين خطراً على الأمن الخليجي، وحزب الله صنّف منظمة ارهابية ايضاً مع فارق إعلان الحرب العلنية على إيران والخفية على تركيا. فالحديث عن دعم قيام دولة كردية «كردستان» واستفتاء شعبي وتغطية إعلامية موسعة وشاملة هو نشاط مدعوم بشكل كامل من المملكة العربية السعودية، حسبما صار مؤكداً عند اللاعبين السياسيين الدوليين الذين سرّبوا كل ملفات التحضيرات واللقاءات التي جمعت البرزاني بمعنيين خليجيين يُضاف إلى ذلك الدعم الذي حظي به المعارض اللدود للرئيس التركي رجب طيب أردوغان «فتح الله غولن» المدعوم أيضاً من السعودية.
ترفض المملكة العربية السعودية التعاطي مع المنظمات إلا بمنظار التهديد الذي تراه ضمن دائرة محصورة بالتالي الأول «تهديد موقعها كمرجعية سنية أولى في المنطقة. وهو هدفها الأول من محاربة التركية الخفية، والثاني التخلّص من الدور الإيراني الذي يشكّل صعوداً شيعياً، وهو لا يخلو في طياته من ذيول الاسباب الطائفية، على أن الأبرز هو دعم إيران لحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية على اعتبار أن إيران ليست دولة عربية كما يروج على أنه سبب كافٍ للتخوّف من المدّ «الفارسي»، على حد تعبير المملكة.
بالعودة إلى لبنان وسط كل هذا الفشل في التفوّق السعودي على تركيا وإيران، فإنه وبالتأكيد لا توجد خطة واضحة أيضاً للتعامل معه، بل مجموعة أفكار حظيت بالضوء الأخضر الأميركي قبل أن تتهاوى بسرعة كمشروع استقالة الحريري والضغط الذي كان أن يشكله في لبنان وقلب المشهد السياسي، وإذ بالاستقالة أقلّ أثراً، مما كان متوقعاً بالنسبة للسعوديين بالناتج السياسي والمعنوي، وخطط تتموضع بين خطة «أ» وخطة «ب» من دون أن يكون محسوماً أيّهما يحمل نتيجة إيجابية حتمية ليصبح لبنان بالعقل السعودي موضوعاً ضمن ما تقتضيه الحاجة أي «المياومة»، ففي حين كان متوقعاً قطع العلاقات معه، أعلن عن نية الرياض تسليم سفيرها الجديد في بيروت محمد اليعقوبي مهامه في لبنان اليوم. وهو دليل جديد على «الاضطراب» الحاصل حيال لبنان، ليبقى السؤال عن طبيعة مهامه بين تصعيد أو تهدئة رهن الأيام المقبلة مع ما ترجّحه المصادر من أن يتبنّى اليعقوبي التعامل مع ملف حزب الله كمنظمة إرهابية انسجاماً مع فريق الأمير محمد بن سلمان ومجلس التعاون الخليجي.