قفز الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة الى واجهة الإهتمام السياسي الفلسطيني واللبناني معا، فيما كان الصيداويون يتنفسون الصعداء، كما مختلف الطوائف اللبنانية بإنتظار عودة رئيس الحكومة سعد الحريري الى لبنان بعد إنتقاله من المملكة العربية السعودية الى باريس، اثر تقديمه إستقالته "المفاجئة"، في وقت تتخوف أوساط سياسية بارزة من دخول لبنان في أزمة حادة، أمام "السيناريوهات" المتعددة لمعالجة أزمة الاستقالة لجهة التراجع عنها أو إعادة التكليف او وضع شروط او تكليف شخصية اخرى مع تمسك كل طرف بموقفه وصولا الى التوافق على تسوية جديدة.
وسط الازمة السياسية اللبنانية، بدا المشهد الفلسطيني موزعا على ثلاث محاور:
الاول الامني، بعد عملية اغتيال الفلسطيني محمود أحمد حجير في "سوق الخضار" في مخيم عين الحلوة، والتي طرحت تساؤلات كثيرة عن توقيتها، في وقت تبذل فيه تبذل القوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية جهودا حثيثة لتحصين الأمن والاستقرار فيه منعا لأي إرتدادات لما تشهد الساحة اللبنانية من أزمة سياسية.
وأبلغت مصادر فلسطينية "النشرة"، ان اغتيال حجير هدفه اعادة التوتير الى المخيم الذي يعيش حالة من الهدوء منذ المعركة الأخيرة، من البوابة العائلية، إذ أنه ليس منتميا سياسيا أو تنظيميا إلى أي جهة، وقد سبق وان إغتال مجهولون شقيقه مسعد حجير العنصر في حركة "فتح" و"القوة الامنية المشتركة" (25 تشرين الأول 2013) عند مفرق سوق الخضار في الشارع الفوقاني، وسارع ذووه وأقاربه الى إقفال الطريق والاحتجاج لعدة أيام، مطالبين بكشف الجناة، قبل أن تنجح الاتصالات الحثيثة في تطويق ذيول الإغتيال وبصعوبة.
وقرأت مصادر عدة أهداف لعملية الإغتيال، منها إفتعال توتير أمني بهدف قطع الطريق على نجاح القوى الفلسطينية في إستكمال تفكيك ملف المطلوبين داخل المخيم، وخاصة بعد قيام مطلوبين بارزين بتسليم أنفسهم أو إستدراجهم، ومنها تسليط الأضواء مجددا عليه في ظل الخلافات اللبنانية، ومنها الانتقام لنتائج الاشتباكات الاخيرة التي أفضت الى دخول قوات الامن الوطني الى "حي الطيرة" والإمساك بزمام الامور فيه، كل ذلك تزامنا وليس ترابطا مع اعتقال القوة المشتركة الفلسطينية الاسلامي الارهابي ساري حجير المقرب من بلال بدر، وتسليمه الى مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب، حيث بوشر التحقيق معه بقضايا أمنية وعلى خلفية مشاركته في الاشتباكات الاخيرة في المخيم.
حراك سياسي
الثاني السياسي، استمرار الجهود الوطنية والاسلامية بالحفاظ على الموقف الفلسطيني بسياسة "النأي بالنفس" من الازمة اللبنانية، بعدما تجاوز "مرحلة الخطر" من اي محاولة لزجه في الخلافات، دون أن تسقط المخاوف التي تبقى مفتوحة في حال دخول لبنان في أزمة سياسية حادة وبدء الاصطفاف في اطار الصراع السعودي-الايراني في المنطقة.
وهذه المخاوف وفق مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، تتطلب حراكا سياسيا وطنيا وإسلاميا مجددا وعلى أعلى درجات، والتنسيق الدائم مع القوى اللبنانية السياسية والأمنية لتمرير المرحلة بما يحفظ أمن وإستقرار المخيمات ومسيرة السلم الاهلي في لبنان، وثمة توافقا مشتركا على هذه الثوابت وعدم الاخلال بها، حيث برهنت المرحلة الماضية أن الفلسطيني يشكل "صمام أمان" وعنصرا للإستقرار على الرغم من المحاولات الكثيرة التي جرت لحرف الاتجاه لأجندة غير فلسطينية.
واذ كانت الاضواء تسلط دائما على "القوى الاسلامية" في مخيم عين الحلوة لاحداث اي خلل، فان مسؤول "عصبة الأنصار الاسلامية" الشيخ أبو طارق السعدي، أكد بحزم، وجود إجماع فلسطيني لدى كافة القوى والفصائل وفي مقدمتها الحالة الإسلامية في المخيمات، بتحييد الفلسطينيين عن أي صراع سياسي في لبنان وفق ثلاث لاءات، لا للاقتتال الفلسطيني الداخلي، لا للاقتتال مع الجوار اللبناني ولا للاقتتال المذهبي السني الشيعي.
بمقابل هذا، رصدت "النشرة" حراكا لم يهدأ وبكافة الاتجاهات أبرزها من القوى الاسلامية باتجاه باقي الفصائل الفلسطينية وبين حركتي "فتح" و"حماس"، خلصت للتأكيد على التمسك بالعمل السياسي الفلسطيني المشترك في لبنان وتعزيزه، بإعتباره المدخل الاساس للحفاظ على المخيمات، وصون علاقتها الاخوية مع الجوار اللبناني الشقيق، في ظل الظروف العصيبة والدقيقة والحساسة التي يمر بها لبنان هذه الأيام، والتمسك بسياسة النأي بالنفس عن كل التجاذبات والخلافات اللبنانية الداخلية، وإتباع الحياد الإيجابي الداعم لوحدة لبنان وإستقرار أمنه وسلمه الأهلي.
نتائج الاحصاء
الثالث الاحصائي: ويتعلق بنتائج مشروع "التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان" الذي أطلقته "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني"، برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بالشراكة مع إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الذي شارف على الانتهاء وسط مفاجأة كبيرة في أعداد اللاجئين الفلسطينين في لبنان.
وقد أوضحت مصادر مواكبة للاحصاء لـ "النشرة"، أن الاعداد غير الرسمية لتعداد اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات تناهز 200 ألف في التقدير الاولي، وأن الاحصاء شبه النهائي في منطقة صيدا يشير الى وجود نحو 67 الف في مخيم عين الحلوة فقط، خلافا لما كان يتردد عن وجود نحو 90 الف لاجىء، بينما بلغ نحو 51 الف في مدينة صيدا وقضائها حيث الثقل الفلسطيني الكبير، ذلك ان عوامل كثيرة لعبت دورا في تقليل الاعداد ومنها الرحيل عن لبنان والهجرة الى المانيا وكثير من الدول الغربية، علما ان دوائر وكالة "الاونروا" في لبنان مسجل فيها ما لا يقل عن 550 الف.
وأشارت المصادر، ان هذه الاحصائية ليست النهائية، اذ هناك تقدير بأن نحو 12% لم يتجاوبوا مع الإحصاء لأسباب مختلفة، وابرزها أمنية في مخيم عين الحلوة أو عدم التمكن من الوصول الى بعض اللاجئين المنتشرين في أماكن متفرقة بعيدة عن المخيمات والتجمعات او عدم مبالاة البعض وجهله للامر، متوقعة أن ينتهي العمل رسميا بهذا الإحصاء نهاية الشهر الجاري، على أن يعلن رسميا بعده.
وكان هذا الاحصاء قد أطلقت مرحلته الاولى "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني"، بالشراكة مع ادارة الاحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني وبهبة من منظمة "اليونسيف" وسفارة اليابان في لبنان، بالاضافة الى سويسرا وبرنامج الامم المتحدة الانمائي بمبلغ إجمالي مليون و740 ألف دولار في 20 كانون الثاني 2017، وقام به نحو 600 شاب وفتاة ممّن يمتلكون الخبرات اللازمة من اللبنانيين والفلسطينيين، بينما اطلقت المرحلة الثانية في 17 تموز 2017، في 12 مخيما و162 تجمعاً للاجئين الفلسطينيين في لبنان بالتعاون والتنسيق مع مختلف القيادات السياسية والامنية اللبنانية والفلسطينية.