تقف القيادات الفلسطينية على مفترق طرق في انطلاق الحوارات التي تجمع الفصائل اليوم (الثلاثاء) في القاهرة، للمرّة الأولى منذ فترة طويلة، بعدما تمَّ التوقيع بين حركتَيْ "فتح" و"حماس" على آلية لتنفيذ بنود المصالحة الفلسطينية التي وقّعت عليها الفصائل في القاهرة بتاريخ 4 أيّار 2011.
وبين التوقيع قبل أكثر من 6 سنوات ونيف واليوم، كانت وما زالت القضية الفلسطينية مستهدفة ليس من الخارج فحسب، بل من الداخل، بتغليب البعض حسابات حزبية ضيّقة، وتنفيذ أجندات خارجية، ما ساهم في تعميق الإنقسام الذي كان المستفيد الأبرز منه الإحتلال الإسرائيلي.
ظروف متعدّدة تغيّرت، لكن ما يميّز هذه المرحلة أنّ هناك توجّهات حاسمة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ببذل الجهود من أجل إنجاح المصالحة، وإصراراً من الراعي المصري بتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومتابعة رئيس جهاز المخابرات العامة الوزير خالد فوزي، وحرصاً من القياديين المعنيين في حركتَيْ "فتح" و"حماس" على تذليل العقبات لضمان حسن تنفيذ الجدول الزمني الذي حُدِّدَ في التفاهمات التي وُقِّعَتْ بين الحركتين بتاريخ 12 تشرين الأوّل الماضي، على الرغم من البطء في تنفيذ بعض البنود.
وإذا كان قطبا الساحة الفلسطينية مُصرّين على بذل الجهود لإنجاح المصالحة - على الرغم من محاولات البعض في صفوفهما التعكير لمصالح شخصية - فإنّ بريق الأمل باستكمال الخطوات المتفق عليها هو الطاغي، إذا ما صدقت نوايا تنفيذ الفصائل التي تشارك في حوارات القاهرة، وهي التي وقعت على الإتفاق في أيّار 2011 - أي فصائل "منظّمة التحرير الفلسطينية" المفعّلة لعضويتها والمجمّدة لها، وحركتَا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"المبادرة الوطنية".
لذلك، فإنّ الفصائل الفلسطينية أمام تحدٍّ بأنْ تكون شريكة فعلية في المصالحة، وليست مراقبة - على الرغم من تفاوت الأحجام والتمثيل - وأنْ تغلب المصلحة الوطنية لا الحزبية، ما يساهم في تعزيز المشروع الوطني الفلسطيني الذي يحتّم عليهم النجاح، وهو ما يُعتبر ضرورياً، وفرصة نادرة بتوفير الظروف وأنْ تكون هناك حلول جذرية لكافة المشكلات لطَيّ صفحة الإنقسام بشكل نهائي، ما يمكن أنْ يساهم في تعزيز الوضع الفلسطيني.
وعلى مدى 3 أيام ستبحث الفصائل الفلسطينية جملة من الملفات تتمحور حول:
- تقييم الخطوات التي تمَّ تنفيذها بعد التوقيع على التفاهمات بين حركتَيْ "فتح" و"حماس".
- تذليل ما تبقّى من عقبات تواجه المصالحة، وتمكين "حكومة الوفاق الوطني" برئاسة الدكتور رامي الحمد الله من تسلّم مهامها كاملة في إدارة قطاع غزّة كما في الضفة الغربية.
- متابعة تسلّم الرئاسة الفلسطينية إدارة المعابر الثلاثة في قطاع غزّة.
- معالجة قضية الموظّفين في قطاع غزّة.
- بحث سُبُل وآليات إعادة هيكلة وبناء الأجهزة الأمنية في قطاع غزّة.
- تفعيل "منظّمة التحرير الفلسطينية".
- التحضير لتشكيل "حكومة وحدة وطنية"، تتولّى إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني.
- إطلاق المصالحة المجتمعية لإنهاء ملف الضحايا الذين سقطوا في قطاع غزّة أثناء سيطرة "حماس" عليه.
- بحث القضايا الميدانية في القطاع.
وأكدت مصادر مطلعة أنّ ملف سلاح المقاومة الفلسطينية غير مطروح، لأنّ استمراره مرتبط بالإحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
وكانت الوفود الفلسطينية قد وصلت أمس إلى القاهرة، عبر معبر "رفح" البري مع مصر، حيث نُقِلَتْ في حافلة واحدة، أو من رام الله عبر الأردن، وأماكن أخرى متعدّدة.
ويترأس وفد حركة "فتح" عضو لجنتها المركزية ومسؤول ملف المصالحة عزّام الأحمد، ويضم عضوَيْ اللجنة المركزية حسين الشيخ وروحي فتوح، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج.
ويترأس وفد "حماس" نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري، ويضم أعضاء المكتب السياسي: يحيى السنوار، خليل الحيّة، حسام بدران وصلاح البردويل.
كما وصلت الوفود الفلسطينية للمشاركة في الاجتماعات، والتي توزّعت بين الأمين العام أو نائبه أو قياديين بارزين في الفصائل.
ويوم أمس، وقّع رئيس حركة "حماس" في قطاع غزّة يحيى السنوار على عريضة حملة "# لا - تراجع" التي أطلقتها مجموعة من الشبان الفلسطينيين
المتطوّعين في الداخل والخارج، بهدف جمع توقيعات ميدانية وإلكترونية، دعماً للمصالحة الفلسطينية.
وكانت لافتة الدعوة التي وجّهها السنوار إلى المواطنين للتظاهر اليوم (الثلاثاء) للضغط على المجتمعين في القاهرة، ومناشدة الشعب عدم السماح سواء لحركتَيْ "حماس" أو "فتح" وباقي الفصائل، أو أيّاً كان بالتراجع عن المصالحة، لأنّ ذلك يعني استمراراً للإنقسام الذي لا يستفيد منه إلا الإحتلال الإسرائيلي، ودحر المشروع الوطني.
وتبدو الدعوة بنزول النخب والنقابات والإتحادات الطلابية والنسوية وكل فئات الشعب إلى الشوارع والساحات، غريبة، لأنّ العادة درجت أنْ تدعو قيادة الفصائل مناصريها للخروج وليس كل الشعب.
وإذا كانت "حماس" اعتادت على الدعوة السرية وإخفاء الكثير من نشاطاتها عن الإعلام، فإنّ دعوة السنوار تكشف عن أنّه يخشى من محاولات البعض إفشال المصالحة التي تبنّاها، بل وصفت بعض الخطوات التي اتخذها بأنّها "مؤلمة".
وهذا يُشير إلى أنْ هناك تبايناً بشأن تطبيق آليات المصالحة بين القيادات، وأنّ السنوار حريص على عدم العودة للماضي، ومحاولة البعض - خصوصاً المرتبطين بأجندات خارجية - إلى وضع العصي في طريق نجاح المصالحة، لذلك أراد الضغط من خلال الشارع من أجل إنجاحها.