تبدأ اليوم مرحلة دقيقة في الوضع اللبناني يمكن أن تقود الى سلبيات كبيرة، كما يمكن أن تؤول الى إيجابيات كثيرة... أما كيف تكون العاقبة، فالقرار في أيدي اللبنانيين. نقول هذا من دون أن يفوتنا، لحظة واحدة، دور الخارج في التأثير بل والفعل في القرار اللبناني... ولكن الأطراف اللبنانية قادرة، إذا أرادت، أن تتوصل الى قرار وطني جامع أو شبه جامع يقي لبنان تداعيات التدخل الخارجي الكبير في الشأن الداخلي. فمهما كان الخارج قوياً وقادراً ومتمكناً فإنه يبقى عاجزاً عن الإختراق إذا توافرت المناعة الداخلية.
والرئيس سعد الحريري الذي سيقدّم، اليوم، كتاب استقالته الى رئيس الجمهورية يُفترض أن يتم التعامل معه بأسلوب جديد ينطلق من الإعتبارات الآتية:
أولاً - لا يمكن تجاوز التطوّرات التي إستجدت منذ نحو عشرين يوماً والتي كان رئيس الحكومة محورها. وبالتالي من غير المعقول اعتبار سعد الحريري ما بعد الإستقالة الشهيرة وكأنه سعد الحريري ما قبلها. هذه حقيقة تفرض ذاتها.
ثانياً - إذا تعاملت الأطراف الداخلية، وبالتحديد الرئيس العماد ميشال عون، وكذلك حزب اللّه، إنطلاقاً من أن هناك أمراً ما قد طرأ على الممارسة، يمكن توقع بداية حلحلة للأزمة. أما إذا أرادت الأطراف التعامل مع الإستقالة، خصوصاً مضامينها، وكأنها لم تكن، فهذا يعني أننا سندخل في نفق طويل يتعذر تلمّس بارقة الأمل نحو نهايته. ومهما كانت أسباب الموقف الحريري في الإستقالة الشهيرة، فلا بدّ من أخذ مضمونها بالإعتبار إنطلاقاً من أنّ الرجل سيكون ملتزماً بهذا المضمون، أياً كانت الأسباب الموجبة لهذا الإلتزام. ونحن لن ندخل في سوق التحليلات التي لجأ اليها كثيرون سواء ما كان منها وليد الخيال، أو ما كان مبنياً على معلومات...
ثالثاً - لاشك في أن أمام الرئيس الحريري «مواجهة» مهمّة مع فريقه السياسي أيضاً، وليس مع الأفرقاء الآخرين وحسب. فلقد تكشّفت الأيام العصيبة الماضية عن وقائع ومعلومات و«تصرّفات» ومواقف لأطراف من داخل تيار الحريري وضعت كثيرين تحت أضواء كشفت وصوليين، ومنتهزي الفرص، ومحترفي بيع وشراء! وهذه كلها تبلغها رئيس تيار المستقبل ولا شك في أنه سيعمل على التعامل معها بالتي يراها الأحسن (...)!
رابعاً - يعرف اللبنانيون والمراقبون من الخارج (عرباً وأجانب) أنّ المرحلة الآتية تكاد تكون أشدّ صعوبة ممّا سبقها، بل لعلّها مرحلة غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث لشدة ما يمكن أن يترتب عليها من مخاطر... لذلك يفترض بالجميع (خصوصاً الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري) التنبه لأي دعسّة ناقصة قد تؤدي الى خسائر تفوق التقدير.
عشية الإستقلال، عمرها ما كانت هذه المناسبة الوطنية بامتياز محفوفة بالحذر كما هي اليوم.
وسنظل نؤمن بلبنان وطناً سيداً حراً مستقلاً.