بعد أن أطلق خطاب "التريث" من قصر بعبدا، عَامَ رئيس الحكومة سعد الحريري بصخب الحشود الشعبية التي جاءت الى محيط دارته في بيت الوسط لتهنئته على "عودته سالما"، فالرجل الذي تذوق طعم الحرية بعد احتجازه في السعودية، عاد الى لبنان مصحوبا بدعم شعبي لبناني قل نظيره.
لم يلتق الحريري بعد عودته الثلاثاء قيادات سياسية، ولم يكن اول لقاء سياسي له مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري عاديا، فقصر الرئاسة الثانية لم يجمع الرجلين، بل جمعتهما "مرسيدس" الحريري في لقاء دام 15 دقيقة تلا انتهاء مراسم عرض الاستقلال في جادة شفيق الوزان وسبق وصولهما الى قصر بعبدا. في هذه الدقائق القليلة تناول الرجلان بحسب مصادر سياسية مطلعة "زبدة" التطورات السياسية وكان لبري حديثا واضحا مفاده ألاّ يتسرع الحريري بقرار الاستقالة وأن يحاول الاستفادة قدر الإمكان من الدعم السياسي والشعبي الذي تلقاه خلال الأزمة، داعيا إياه في سياق الحديث ليكون مساهما في الحفاظ على استقرار لبنان الأمني والسياسي، مكررا على مسامعه ما كان قد اعلنه صباح الأربعاء بأنه "على استعداد لكي يعطيه ضمانات للنأي بالنفس".
وتشير المصادر عبر "النشرة" الى أن الكلام الذي سمعه الحريري من رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا لا يختلف عمّا سمعه من بري، فهما تعاملا مع الأزمة بحكمة كبيرة تُوّجت بإعلان رئيس الحكومة التريّث بتقديم استقالته. وتضيف المصادر: "وعد عون بعقد طاولة الحوار في أقرب فرصة ممكنة لبحث التطورات السياسية الجديدة، وكيفية الحفاظ على الحكومة والاستقرار السياسي الذي بدأ منذ انتخابه رئيسا للجمهورية، مع العلم أن الحريري نفسه لا يريد للتسوية التي أطلقت عهد عون ان تسقط بل يريد فقط تشديد القوى السياسية على مبدأ النأي بالنفس".
وفي نفس السياق تكشف مصادر مقربة من رئيس الحكومة أن قراره جاء لإعطاء الفرصة لرئيس الجمهورية كي يُحدث خرقا في جدار الأزمة، وتحقيق المطالب المتمثلة "بعودة حزب الله الى لبنان ووقف تدخلاته في الدول العربية". وتضيف المصادر لـ"النشرة"، "الحكومة بـ"الثلاجة" وهي لم تعد اولوية في الوقت الراهن بل أصبحت تفصيلا صغيرا"، مستبعدة ان ينعقد مجلس الوزراء في الفترة المقبلة، ومشددة على أن مدخل الحل هو باقتراح طاولة الحوار التي يعمل عون على تشكيلها.
أزمة الحريري وعصب تياره
كنا قد أشرنا سابقا في "النشرة" عن الإيجابية الوحيدة لأزمة الحريري في السعودية، وتناول المقال "الحالة" الجماهيرية الكبيرة التي خلقتها الأزمة. وفي نفس الإطار ظهر جليا من خلال الاستقبال الشعبي الضخم الذي نظمه تيار المستقبل لرئيسه أن "ازمة" الحريري شكّلت حملة انتخابية ضخمة له من دون جهد، وان القيمين على التيار استطاعوا أن يشدوا عصب تيارهم ولو انهم اكدوا، عن قصد أو عن غير قصد، "صعوبة" ما مرّ به الحريري في السعودية. ولكن بحسب مصادر سياسية في 8 آذار فإن لتحريك الشارع رسالة خارجيّة واضحة مفادها أن تيار "المستقبل" لا يرضى بغير سعد الحريري ممثلا له، لتؤكد بالتالي ما كان قد سُرب سابقا بأن عائلة الحريري رفضت "مبايعة" بهاء الحريري لزعامة التيار وإنهاء حياة سعد السياسية.
لا شك ان ما حصل مؤخرا كان درسا وطنيا مهما، ففي يوم الاستقلال أظهر المسؤولون بأنهم على قدر المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهم، على امل ان يقتنع اللبنانيون بأن "التبعية" للخارج دمار للوطن.