الاستقلال لم يكن يوماً قصيدة شعرية تحلّق في سماء الخيال، أو كلمات لا شرف ولا تضحية ولا وفاء فيها. الاستقلال دم زكي وموقف حرّ وإرادة صلبة. الاستقلال سيادة ناجزة من تدخلات الدول وسفرائها في الشؤون المحلية لبلدنا، وشعب واعٍ يستطيع أن يميّز بين العدو والصديق، ومقاومة باسلة لمن تسوّل له نفسه الاعتداء على أرضنا وثرواتنا ووحدتنا وهويتنا وتاريخنا. الاستقلال هو اجتماع اللبنانيين حول وطنهم والذوْد عنه بالأثمان والتضحيات كافة. هو إحساس مشترك بالأخطار والتحديات والآمال والتطلعات. الاستقلال هو تضحيات الشهداء ونضال السياسيين حين نشاهدهما في مواجهات بطولية في الميادين وفي شيم وإباء وعنفوان المسؤولين الذي يعبّر عن قيم وثقافة وإيمان اللبنانيين بوطنهم في وجه الساعين لتمزيقه وتقسيمه وإشعال نار الفتنة في ساحاته وإبطال نموذج عيش أبنائه. الاستقلال هو أن تلبس النخبة السياسية زيّاً وطنياً واحداً لا يتغيّر مع تغيّر الظروف ولا يتلوّن بألوان طيف الدول المتعالية والمستكبرة. الاستقلال إيمان صادق بوطن محفور في الذاكرة، بشهداء صورهم في لوح محفوظ لا تغيب. الاستقلال جيش ساهر، وأذن صاحية من قبل كلّ القوى الأمنية للحفاظ على الاستقرار والأمن، وحكومة فاعلة تسعى لمحو كلّ آثار الحرمان والفقر والعوز، ليشعر كلّ المواطنين بكرامة العيش تماماً ككرامة السيادة والاستقلال.
ما نحن نأمله من عهد فخامة الرئيس العماد ميشال عون الذي قال «الاستقلال ليس لحظة محدّدة بزمان ومكان، حصلت وانتهت، الاستقلال هو عمل دؤوب ونضال متواصل وهو قصّة شعب دفع الكثير ولمّا يزل ليبقى سيّداً، حرّ القرار، وعلى أرضٍ حرّة»، أن يخرج لبنان من أسلوبه المتراوح الألوان والظلال وأن يكون موقفه في مواجهة الإرهاب «الإسرائيلي» والتكفيري واضحاً لا مواربة فيه، وأن يُبدي تجاه سياسات التمزيق والفتنة في المنطقة رأياً حاسماً، لا أن نبقى محاصرين بالتذبذب خوفاً من غضب من هنا وسخط من هناك. فإذا ما عرفنا الحق عرفنا أهله، وما عاد بالإمكان أن نخاف من حصار مالي أو عقوبات اقتصادية أو عدوان عسكري أو ابتزاز يريد أن يُضعف وحدتنا أو ينال من سيادتنا!
الاستقلال يجب ردّه إلى جذوره الأولى، إلى أولئك المقاومين الذين ضحّوا بأرواحهم في مواجهة التقسيميين والصهاينة والتكفيريين. وللأسف ما زالوا غرباء في وطنهم وما زالت الدولة بعيدة كلّ البعد عن الوفاء بالتزاماتها تجاههم. فلولاهم لما كان هناك فرح واستقرار وأمن وانتصار حقيقي. وهنا المسؤولية على رئيس الجمهورية في إنصافهم ورفع مقاماتهم وإعطائهم الحقوق المادية والمعنوية التي حُرموا منها ورفع العبء المذهبي الذي يُشكل حاجزاً مقيتاً أمام معرفة المضحّين والأبطال والشرفاء من أولئك المتسلقين والانتهازيين وتجار المواقف.
إنّ العدو «الإسرائيلي» وآخرين أيضاً لا يريدون للبنان القوة والسيادة والازدهار. والواجب اليوم أن نثبت للعالم أجمع أننا جديرون بالنصر، جديرون بالعزة، جديرون بالاستقلال.