– لا يشكّل الكلام الأميركي عن الرغبة بالبقاء في سورية حتى التحقق من مسار التسويات كلاماً استراتيجياً عن تموضع يحتاج أعمق من هذا الغطاء، بحجم دعم كيان كردي مستقلّ، وخوض حرب حماية تقسيم سورية، أو خوض حرب إسقاط الرئيس السوري والمجيء بحكومة تشرعن الوجود الأميركي في سورية، وما عدا ذلك هو وجود في زمن الحرب يبحث عن غطاء، ويدرك أصحابه كلما بدا أن قوى الحرب إلى اضمحلال وذرائعها إلى زوال، سيتكلمون عن البقاء للتفاوض على أشياء أخرى. وهذا هو الحال بالنسبة للأميركيين اليوم، التفاوض على ترتيبات جنوب سورية، والتفاوض على رفع سقف الخصوصية الكردية، والتفاوض على مستقبل الممر الاستراتيجي بين إيران وقوى المقاومة عبر العراق وسورية، وحجم التدفقات العسكرية عبره وتأثيراتها على توازنات المنطقة، وكلما اقترب توقيت خيار الأكراد بين الانخراط في العملية السياسية والتنازل عن الخصوصية العسكرية، أو مواجهة خيار الحسم العسكري، ضعفت أوراق التفاوض الأميركية ونزل سقفها.
– القوى الممسكة بالجغرافيا السورية اليوم، وهي رباعي الدولة السورية والمقاومة وإيران وروسيا ليست بينها تباينات، خصوصاً تجاه قضيتي، رحيل الأميركيين، ومنع بقاء السلاح الكردي وخصوصية جغرافيا تحت السيطرة الكردية في سورية. وهذه القوى لا حسابات لديها منعتها في الماضي من الاصطدام بخطوط حمراء رسمتها واشنطن، كانت أشد حيوية من الخصوصية الكردية في الحساب الأميركي، وأهمها كان مصير الحدود السورية العراقية. وقد خاضت هذه القوى معركتها لإمساك الحدود وهي تضع فرضية التصادم الكبير مع وشانطن أمامها، وتمضي قدماً مهما كان الثمن. وهذا تعلمه واشنطن، ولذلك تضع في حسابها، ما سبق وقاله روبرت فورد سفيرها السابق في دمشق، إنه مع نهاية داعش تبدأ واشنطن بحزم حقائبها، لأن لا خيار آخر أمامها، ومن تخلَّ عن مشروع دولة كردية في العراق لأنه لا يريد حرباً مع إيران وحلفائها، فلن يذهب للصدام تحت عنوان دولة كردية في سورية.
– سقوف أميركية مستعارة تجري فكفكتها تباعاً، كحال المعارضة السورية، فسوتشي موجود كبديل لجنيف ما دام جنيف غير جاهز لإنتاج الحل الذي رسم بحكومة موحدة ودستور فانتخابات تحت سقف بقاء الرئيس السوري بشار الأسد. ومثله الوفد الموحّد للمعارضة مؤجّل لحين نضج الخيار السياسي على قياس صناعة تسوية، واكتمال النزول المتدرج عن الشجرة، وبالتوازي مع جنيف الباهت سينعقد لقاء سوتشي بدرجة أعلى من الحرارة، مفتوحاً للأكراد شرط إعلان الاستعداد للتخلي عن خصوصية السيطرة على جزء من الجغرافيا السورية، ومثله استانة مفتوح لهم، ومفتوح لينجز الأتراك مهمتهم بإنهاء جبهة النصرة في إدلب وريفها، لكن المهل ليست مفتوحة، فنهاية العام ستكون موعد الجواب العملي للأكراد والأتراك، وبعدها إما انتعاش للعملية السياسية، بانضمام الأكراد والجماعات التي ترشحها تركيا، أو حسم يُنهي وضع النصرة كما انتهت داعش ويُنهي التمرّد الكردي شمالاً.
– يعرف الأميركيون ذلك، لكنهم لا يستعجلون، فكما قالوا إن الحدود السورية العراقية خط أحمر، وبقوا يرددون ذلك ويحاولون فرضه حتى اللحظة التي صار ثمن الإصرار مواجهة كبيرة فتراجعوا خطوة إلى الوراء، سيفعلون اليوم، فما دامت حروب صغيرة لم تحسم بعد لماذا يستعجلون الإعلان عن الاستعداد للانسحاب، فقد يطرأ ما يعطل خطة استرداد الدولة السورية جغرافيتها بدعم حلفائها، وهم مستعدون لتشجيع ودعم كل عناصر الإعاقة بما في ذلك تشجيع الأكراد على التصعيد ودعم جبهة النصرة، كما كان دعم داعش من قبل، حتى لحظة اقترابهم من الاختيار بين التراجع خطوة إلى الوراء أو خوض المواجهة الكبرى، فيفعلون ما سبق أن فعلوه مع الحدود السورية العراقية، وحتى ذلك التاريخ سيقولون باقون حتى التحقق من مسار التسويات، وسيبقون بنظر سورية وحلفائها احتلالاً، يُشهَر بوجهه سيف المقاومة متى دنت لحظة التلاقي وجهاً لوجه.