ما إن بسط الجيش السوري وحلفاؤه السيطرة الكاملة على مدينة البوكمال، حتى توجّه الرئيس السوري بشار الأسد إلى مدينة سوتشي الروسية، للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وهو اللقاء الذي انضمّ إليه وزير الدفاع الروسي ومجموعة ضباط برتب رفيعة.
زيارة الأسد المفاجئة لروسيا، شكّلت حدثاً، شغل دوائر القرار الدولية والإقليمية، وكثرت التحليلات السياسية بشأن هذه الزيارة، بحيث وضعت في خانة احتفالية النصر ليس بتحرير مدينة البوكمال وحسب، بل بالإجهاز على تنظيم «داعش» الإرهابي.
صحيح، أنّ تحرير مدينة البوكمال يمثل أحد أهمّ الإنجازات العسكرية في مسار الحرب ضدّ الإرهاب، إنْ لجهة موقع البوكمال الواصل بين دمشق وبغداد والذي يكتسب أهمية استراتيجية، أم لجهة تقويض منظومة «داعش» الإرهابية في سورية، لكن على أهمّية هذا التطوّر الحاسم الذي شهده الميدان السوري، فإنه بالتأكيد لا يستدعي زيارة مفاجئة إلى روسيا، فالرئيس الأسد عوّد السوريين على الاحتفال معهم في المدن والمناطق المحرّرة.
واضح أنّ زيارة الأسد، رسمت خريطة طريق لما بعد البوكمال. وقد جاءت القمة الثلاثية بين بوتين ونظيريه الإيراني والتركي الشيخ حسن روحاني ورجب طيب أردوغان، وما صدر عنها بما خصّ المسار السياسي، يؤكد بالملموس أنّ لسورية الكلمة الفصل في تحديد النسق العام لأيّ مسار سياسي، وكان لافتاً الترحيب السوري بما صدر عن هذه القمة الثلاثية، علماً أنّ سورية لم يسبق لها أن أصدرت مواقف مماثلة إزاء أيّ لقاء تشارك فيه تركيا.
وعليه، لم يعُد خافياً أنّ زيارة الأسد لروسيا، كانت لوضع خطوط عريضة لما يجب أن يكون عليه مؤتمر الحوار السوري الذي ستدعو إليه روسيا، وأنّ توقيت الزيارة مباشرة بعد تحرير البوكمال، هو رسالة للقوى التي لا تزال تحاول العبث بالمسار السياسي من خلال رفع سقف الشروط. وهي الرسالة التي دفعت بعدد من «المعارضين» إلى الاستقالة مما يسمّى «معارضة»، في حين جمعت السعودية ما تبقّى من هذه المعارضات، على بيان انصياعي في مسار الحلّ السياسي، لكنه لم يخلُ من العبارات الممجوجة التي هي من مفردات الخطاب الذي اعتمدته الدول الراعية للإرهاب والمجموعات المتطرفة.
ما ورد في بيان معارضة «الرياض 2»، لن يعدّل في المسارات ولن يغيّر شيئاً في المعادلات، فهو لا يعدو كونه محاولة تعويم لمجموعة من الغارقين في بحر الوهم والفشل والهزائم. غير أنّ اهتمام المراقبين ينصبّ حول ما في جعبة واشنطن، التي تكثف دعم وتمكين المجموعات التابعة لها في سورية، متجاهلة هواجس حليفتها تركيا، وهو التجاهل الذي دفع تركيا بالذهاب الى سوتشي بعد أستانة، وقد تندفع أكثر باتجاه الحضن الروسي وباتجاه تعزيز العلاقة أكثر مع إيران في حال استمرّ هذا التجاهل الأميركي لما تعتبره تركيا خطراً على أمنها القومي، بحسب ما تؤكد في مواقفها.
جهود روسيا لعقد مؤتمر الحوار السوري في سوتشي، حظيت بدفع من الدولة السورية، وكذلك من إيران وتركيا. وقد شكّل الترحيب السوري ببيان قمة سوتشي الروسية الإيرانية التركية، رسالة بالغة الدقة، خصوصاً أنه تزامن مع موقف سوري يجدّد التأكيد بأنّ وجود قوات أميركية على الأرض السورية هو احتلال، ما يفتح الباب واسعاً أمام احتمالات المواجهة كافة…