عاش اللبنانيون أياماً عصيبة من عمر الوطن، تكشفت عن حقائق مهمة يمكن تلخيص بعضها بالآتي:
أولاً - إنّ لبنان لا يستقيم إلاّ إذا كانت أطيافه كلها على توافق. وبالتالي عندما يكون هذا التوافق حقيقياً فإنّ هذا الوطن الصغير قادر على إجتراح العجائب.
ثانياً - إن الوئام والتفاهم بين أركان السلطة، خصوصاً في رأس الهرم، بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، كفيل بتلقي الصدمات وامتصاص مخاطرها، ودرء سلبياتها عن الوطن والمواطن.
ثالثاً - إنّ هذا الوطن الصغير، كبير في قدرته على التغيير في المعادلات والقرارات، إذا ما قُدّر لقيادته أن تتحمّل مسؤولياتها بالرغم من الصعوبة والمحاذير.
رابعاً - إن لبنان غير متروك: هناك أصدقاء بارزون لهذا الوطن. ولكن بقدرة هؤلاء الأصدقاء على الفعل مرهونة قدرة قياداته على حسن الأداء، ومعرفة إتخاذ المواقف، والمبادرة الى الحراك.
خامساً - إنّ الوصوليين واللاهثين وراء «المكافآت» ولو على حساب الكثير من القيم والمبادىء، هم موجودون دائماً وأبداً.
(...) وبعد، نحن هنا! لقد تجاوزنا المرحلة الصعبة الى حد كبير. ولكنها لم تصبح وراءنا كلياً. ولن تصبح وراءنا بشكل قاطع إلاّ إذا أحسنّا التعامل مع الآتي الذي نريده «أعظم» من حيث تثبيت الوحدة الوطنية، وتعزيز التفاهم والتناغم بين المسؤولين... وإلاّ كان «أعظم» في سلبياته.
وفي تقديرنا أنّ المطلوب يمكن تلخيصه، سريعاً، بالآتي:
1- تثبيت «التريث» في الإستقالة... إنما على قواعد سليمة أبرزها، في إقتناعنا، الآتي:
أ - تحويل مبدأ «النأي بالنفس» الى حال وطنية ثابتة لها قدرة النصّ الدستوري.
ب - ... أي التوصل، أو العمل للتوصل الى الحياد. وهذا الحياد هو مبدأ في ميثاقنا الوطني... حياد عن الشرق والغرب، من خلال الإنتماء الى العروبة (والنص الدستوري صريح في هذا المجال)، وحمل قضايا العرب (كما فعلنا دائماً منذ الإستقلال) والإتفاق على ما يتفق عليه العرب. والإبتعاد عمّا يختلف عليه العرب.
ج - الإلتزام، من دون تردد أو تحفظ، بقضية العرب الأولى (هل لا تزال الأولى في نظر البعض؟) قضية فلسطين بالإصرار على عودة اللاجئين، بل «حق العودة» مهما نأى بهم الزمن من وطنهم. وهنا أيضاً نحن في إطار واقع دستوري.
2 - إعادة نظر شاملة في المرحلة السابقة التي تلت «التسوية» الكبرى التي أسفرت عن الرئيس عون في قصر بعبدا والرئيس الحريري في السراي الكبير، وأخذ العِبر منها لجهة تعزيز إيجابياتها والبناء عليها، وأسقاط سلبياتها... وهي معروفة.
3 - أن تحصر مهمة سلاح المقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي بعدما أدى ما أداه في سوريا والعراق... الى أن يصبح ممكناً التواصل الى إستراتيجية دفاعية يقرها الإجماع الوطني.
إن لبنان مهيأ لأن يرتقي من هذه التجربة العصيبة الى حيث ينشد له أبناؤه (... ومحبوه) أن يكون... كما هو قادر على أن يسقط الى حيث لا يعود تحته تحت.
وفي تقديرنا أن مسؤولية كبرى تقع على عاتق أركان السلطة (عون - بري - الحريري) وسماحة السيد حسن نصرالله في الإرتقاء كما في الهبوط.