على الساحة المحلية، سرقت إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري الملتبسة، من العاصمة السعودية الرياض، الأضواء مما يجري داخل المملكة من تطورات، لا تنفصل عن الخطوات التي يقوم بها ولي العهد محمد بن سلمان منذ تسلم والده الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد السلطة.
من حيث المبدأ، بات هناك شبه إجماع على أن ولي العهد السعودي يعد العدّة لتسلم الحكم خلفاً لوالده، وبالتالي هو يريد أن يقضي على أي شخص من الممكن أن يشكل خطراً على حلمه، الأمر الذي يفتح الباب أمام جملة واسعة من التكهنات حول مصير المملكة في المرحلة المقبلة، في ظل التحولات القائمة على مختلف المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
على هذا الصعيد، برزت منذ تسلم الملك سلمان الحكم، خلفاً لشقيقه الملك الراحل عبدالله، أسئلة كثيرة حول مستقبل الحكم في المملكة، خصوصاً بعد أن برز إسم محمد بن نايف ولياً لولي العهد عندما كان مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد، نظراً إلى أن المملكة السعودية الثالثة، التي ظهرت على يد الملك عبد العزيز آل سعود، قامت على أساس أن يكون الملك من أبناء المؤسس عبد العزيز، إلا أن محمد بن سلمان لم يتأخر في الإنقلاب أيضاً على مقرن تمهيداً لدخوله نادي الملوك المستقبليين، عبر تعيينه ولياً لولي العهد وتسلم محمد بن نايف ولاية العهد، ومن ثم لاحقاً إزاحة الأخير من الواجهة وتسلمه هو المنصب الثاني في السعودية، الأمر الذي توقع الكثيرون أن يكون له تداعيات كبيرة.
ضمن هذا المسار، يأتي السؤال عن المرتكزات "الشرعية" التي سيقوم عليها حكم بن سلمان، في المستقبل القريب أو البعيد، نظراً إلى أن المملكة قامت على أساس التحالف بين آل سعود، بوصفهم ملوكا، وآل الشيخ، كمسؤولين عن المؤسسة الدينية في البلاد، خصوصاً أن السعودية غير بعيدة عن التوجه نحو محاربة التطرف على مستوى العالم، وبالتالي من المفترض أن تأخذ إجراءات مشددة بوجه التيارات الوهابيّة، من هنا كانت إنطلاقة الملك سلمان في الحكم بإعلان الحرب على اليمن، مع العلم أن نجله هو وزير الدفاع، حيث أنه أراد أن يقدم نفسه كـ"بطل" قادر على خوض المواجهة مع نفوذ الجمهورية الإسلامية في إيران، وهو ما كان يتوقع أن يكون له تداعيات مهمة على هذا الصعيد، وهو يعمل بالتركيز على هذه الناحية في ظل إرتفاع مستوى التوتر المذهبي على مستوى العالم الإسلامي.
إلى جانب ذلك، سعى ولي العهد السعودي إلى ضمان الدعم الأميركي له، خصوصاً أن محمد بن نايف كان يعتبر رجل الولايات المتحدة الأقوى في المملكة، فكانت الزيارة التي قام بها الرئيس دونالد ترامب إلى الرياض، والعقود المالية الضخمة التي أبرمت بين البلدين، والتي دفعت واشنطن إلى الصمت عما يقوم به من إجراءات داخليّة، وصولاً إلى الإعلان عن دعمها، على لسان ترامب نفسه، للخطوات الأخيرة التي قام بها مؤخراً تحت عنوان محاربة الفساد، إلا أن النقطة المفصلية على هذا الصعيد تبقى الموقف الأميركي من أي دور سعودي على مستوى دعم الجماعات الإرهابيّة، خصوصاً في ظل وجود قانون "جاستا" الصادر في العام الماضي، الذي سيكون سيتيح بموجبه مقاضاة دول، كالسعودية، على خلفية هجمات الحادي عشر من أيلول، مع العلم أن الرياض حاولت إبعاد التهمة عنها عبر توجيه أصابع الإتهام إلى قطر، والإعلان عن تشكيل تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب.
قبل الوصول إلى المرحلة الأخيرة، ينبغي التوقف عند بعض التحولات التي حصلت في السعودية كونها تصب في الإطار نفسه، أي سعي محمد بن سلمان إلى تأمين "الشرعية" لما سيقوم به لاحقاً بهدف تكريس حكمه، (من إعتقال المئات من النخب السياسية والفكرية والدينية المعارضه له، بالتزامن مع تقديم نفسه إلى الغرب، الذي بات يوجه الكثير من الإنتقادات إلى المملكة)، كـ"مصلح" قرر السماح للمرأة بالقيادة ودخول ملاعب كرة القدم، من دون تجاهل الخطة الإقتصادية التي تقدم بها، "رؤية 2030"، والتي كان الهدف منها كسب تأييد فئة الشباب في المجتمع.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن ولي العهد السعودي يدرك جيداً كيفية التحضير لتسلم الحكم في بلاده، أي تأمين الشرعية اللازمة له، عبر الإستناد أولاً إلى الدعم الخارجي، الأميركي بالتحديد، من خلال رفع لواء محاربة الإرهاب وعقد الصفقات الضخمة، والقضاء على أي أمل لمعارضيه من داخل الأسرة المالكة ثانياً، وهو ما حصل مؤخراً تحت عنوان محاربة الفساد، والسعي إلى تسويق نفسه كرجل إصلاحي، أمام شعبه، لا يمنع منحه بعض الحقوق طالما أنها لا تشكل خطراً على سلطته، بالإضافة إلى خلق قضية وجودية متمثلة بـ"الخطر" الإيراني الذي قرر هو الوقوف بوجهه، ما ينفي إمكانية سماعه لنصيحة رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط بالحوار مع طهران في وقت قريب.
في المحصلة، نجح محمد بن سلمان في تحقيق الجزء الأكبر من خطته الموضوعة بعناية، لكن هذا لا يعني أن حجم الإعتراضات عليه لا يزداد يوماً بعد آخر، خصوصاً أن الخطوات التي يقوم بها تتسارع بشكل لافت والولايات المتحدة أكدت في أكثر من مناسبة أنها لن تحارب عن حلفائها، فهل يقود ولي العهد المملكة إلى مرحلة جديدة أم إلى الإنهيار؟.