ثلاث خطوات سعودية متواضعة تؤشر الى مرحلة ما بعد العودة عن التريّث، إذا ما تمّت هذه العودة بلا ضمانات.
الأولى تتمثل في مقاطعة السعودية لاجتماع جمعية المصارف العربية، والثانية سحب التمويل السعودي لمعرض الكتاب العربي والثالثة وقف تجديد إقامات العمل لنحو أربعمئة لبناني في المملكة.
يراهن البعض على أنّ السعودية لن تعارض عودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته ولو من دون ضمانات، بفعل الضغط الدولي الذي مورس تحت عنوان منع سقوط الحكومة ومنع اهتزاز الاستقرار الداخلي، لكنّ جهاتٍ أخرى ترى أنّ هذه النظرية ستتعرّض لاختبارات جدّية، في حال تمّت العودة عن الاستقالة بلا قيد أو شرط.
الكلمة الفصل بالنسبة الى السعودية هي ما اعلنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من أنّ الحريري بصفته سنّياً لن يغطي حكومة «حزب الله»، ومن هذه الكلمة على لاعبي القوى المعنيّة أن ينطلقوا في تفسير المرحلة المقبلة.
وفي قراءة الموقف السعودي لا بدّ من التوقف عند التعاطي مع ملفّ الأزمة الذي وُضع على جدول اعمال جامعة الدول العربية، ونتج عنه قرارٌ غيرُ مسبوق باعتبار «حزب الله» منظمة إرهابية، وباتّخاذ تدابير أكثر جذرية في التعاطي مع ملف سلاحه ببعديه الداخلي والاقليمي.
وتبعاً لهذا الموقف فإنّ أيّ حلّ على الطريقة اللبنانية للأزمة لن يكون متيسّراً، فإما أن يعود الحريري عن استقالته بعد أن ينال ضمانات شكلية من «حزب الله»، أو يستقيل تلبية لرغبة السعودية في تحقيق هدف سحب ورقة الحكومة من الحزب، ولكلٍّ مِن الاحتمالين نتائجه.
ففي حال قرّر العودة الى الحكومة وتفعيل عملها أي العودة الكاملة عن الاستقالة من دون نيل ما تريده المملكة، فهذا سيضع العلاقات مع الرياض حكماً أمام تحدٍّ كبير، وسيؤدّي الى انقلاب في موازين القوى والتوجّهات، وسيفتح الباب أمام خيارات سعودية جديدة.
ويسود شبهُ إقتناع أنّ الاتّجاه يؤشر الى العودة عن الاستقالة، وأنّ هذه العودة سيدعمها «حزب الله» بخطوات كبيرة لتعزيز وضع الحريري وتمكينه من مواجهة أيّ اعتراض سعودي.
ويتراوح الدعم من إعطاء ضمانات بعدم التدخّل في اليمن واعادة انتشار الحزب في سوريا، وتقليص وجوده في العراق، ويمتدّ ليصل الى حدِّ ترتيب تعاون انتخابي في كل المناطق، والحرص على أن ينال الحريري الكتلة السنّية الأكبر التي تخوّله ترؤس حكومة ما بعد الانتخابات، في غياب أيِّ إمكانية لتشكيل «حكومة حزب الله».
ويبقى السؤال: ماذا ستكون ردّة الفعل السعودية على العودة عن الاستقالة؟ وهل سترضى السعودية بإخراج شكلي للعودة يتمّ الحديث عنه؟
الأكيد انّ فترة التريّث لن تطول وأنّ الإخراج المتّفق عليه مسبَقاً والمتمثل بالاستشارات في قصر بعبدا، والذي ستعقبه تلاوةُ بيانات سياسية تشدّد على النأي بالنفس، لن يكون كافياً للعودة عن الاستقالة، فالمطلب السعودي يذهب الى تحديد جداول زمنية وضوابط وضمانات غير لفظية، فيما مرونة «حزب الله» الشكلية تتطابق مع المواقف الإيرانية التي تضع خطوطاً حُمراً حول السلاح ودوره ووظائفه في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وكلّ ذلك سيجعل مهلة التريّث السعودي، قصيرة انتظاراً لما سيُسفر عنه التريّث اللبناني.