ما حصل لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في السعودية، أمر، وإنْ قرّر الرجل أن يحتفظ به لنفسه، بات معلوماً بكلّ حيثياته، فما أذيع وما كُتب، وما صدر من مواقف عن ظروف إقامة قسرية، وعن استقالة جبرية، كلّ ذلك، كافٍ لتبيان حقيقة ما حصل.
غير أنّ النقاش اليوم، لا يدور حول تأكيد أو نفي ما سلف. فلبنان الرسمي أكد المؤكّد، من خلال التعاطى بحكمة ومسؤولية، ومن خلال موقف الارتياب حيال استقالة الحريري المفاجئة، ما أدّى إلى تحرك فرنسي قاده الرئيس إيمانويل ماكرون أفضى إلى عودة الحريري إلى لبنان، وبالتالي عودته عن الاستقالة تحت عنوان «التريّث».
لكن اللافت، هو ربط التريّث بحوار حول عناوين أدرجت في متن الاستقالة الجبرية. وهذا ما لم يرتقِ إلى مستوى تعاطي لبنان الرسمي، العالي الحكمة والمسؤولية، والذي أدّى إلى إسقاط سيناريو فتنوي للبنان وضعه «حكّام» السعودية الجدد.
والسؤال، ما هي الرسائل والإشارات التي يُراد إيصالها من خلال القول إنّ الحوار الداخلي في لبنان يتمّ تحت تأثير مفاعيل ما حصل للحريري في السعودية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأيّ معنى لمصطلح «النأي بالنفس»!
هناك مَن يعزو استمرار مفاعيل الاستقالة الجبرية، إلى التزامات فرنسية تجاه السعودية، تقتضي بعدم تعرية حكام السعودية الجدد. وأنّ هذا الربط بين التريّث في تقديم الحريري لاستقالته، والحوار حول عناوين معيّنة، قد يشكل مخرجاً مقبولاً، لتفادي تشكيل إحراج أكبر للسعودية، وبما لا يقطع خط الرجعة مع الحريري.
إذا صحّ هذا الأمر، معنى ذلك أنّ الأمور ذاهبة باتجاه حوار هادئ، لتقطيع الوقت حتى موعد إجراء الانتخابات النيابية في لبنان، ليُبنى على نتائج الانتخابات مقتضاها.
وعليه، فإنّ الكلام عن «النأي بالنفس»، لن يفضي إلى أية نتائج، لأنه في الأساس كناية عن «اجتهاد» بلا مضمون ولا يتطابق مع طبيعة العلاقات بين الدول. إذ من المعروف أنّ هناك أحلافاً تنشأ وتتأسّس بين الدول، وهناك اتفاقات ثنانية هي التي تحكم علاقة هذه الدولة مع تلك، وبالتالي فإنّ منطق «النأي» هو مخالف لمنطق الدولة، ويشبه إلى حدّ ما التعاطي في الأمور المصيرية على قاعدة «صرّة عرب».
في الهوامش… هناك مَن تلقف «حوار النأي» لكي يجدّد رهاناته على دفع لبنان نحو مربع «الحياد» والعودة الى مقولة «قوّة لبنان في ضعفه»، والتآمر على عناصر قوّة لبنان، لكن هذه أوهام وأضغاث أحلام.