حوّل الفلسطينيون مآسي ومعاناة تقسيم فلسطين بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947، وصدور القرار الدولي 181 عن "هيئة الأمم المتحدة"، ثم نكبة فلسطين بتاريخ 15 أيار 1948، إلى محطّات كفاح ونضال تجسَّدا في المحافل السياسية وبتقديم قوافل الشهداء والجرحى والأسرى والمُبعدين إلى داخل وطنهم وخارجه.
وتمكّنوا من تحقيق جملة من المكتسبات، وتحويل يوم تقسيم فلسطين في العام 1947 إلى تبنٍّ من "الأمم المتحدة" لجعله يوماً للتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني في العام 1977، ثم بانتزاع اعتراف دولي بعضوية دولة فلسطين - بصفة مراقب في اليوم ذاته من العام 2012، رغم الضغوطات التي مورست لعدم تصويت الدول الأعضاء من قِبل الإحتلال الإسرائيلي مدعوماً بالإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وبين الاعتراف بالدولة الفلسطينية واليوم، حققت فلسطين جملة من المكتسبات ليس فقط بالإنتساب إلى منظّمات وهيئات ومؤسّسات دولية، بل بإحراج وإجبار الإدارة الأميركية والكيان الإسرائيلي على مغادرة البعض منها، وفي مقدّمها "اليونيسكو"، بعدما جرى اتهامها بالإنحياز ضد الكيان الإسرائيلي لصالح فلسطين.
وللمصادفات فإنّ قرار التقسيم الذي يحمل الرقم 181 نُفِّذَ الجزء المتعلّق منه بإقامة الكيان الإسرائيلي واعتراف "الأمم المتحدة" به، دون أنْ يُنفّذ الجزء الآخر - أي إقامة الدولة الفلسطينية، وعدم تحديد الكيان الإسرائيلي لحدوده وأحلامه.
وما رفضه الفلسطينيون والعرب وقَبِلَ به الإسرائيليون في العام 1947، يرفضه الإسرائيليون اليوم، في وقت يجهد الفلسطينيون والعرب لتطبيق الإعتراف الدولي على أرض الواقع بإقامة الدولة الفلسطينية.
كما أنّ يوم تقسيم فلسطين كان بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947، وكان يوم خميس، الذي تزامن أيضاً اليوم ذاته عند الإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في العام 2012.
كذلك فإنّ تلك الدورة حملت الرقم 67، وأقرّت حدود الدولة على الأراضي المحتلة في العام 1967.
وأيضاً فإنّ طلب العضوية حمل الرقم 194، وهو القرار الدولي 194 ذاته، الذي ينص على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.
كما أنّه بعد إلقاء الرئيس محمود عباس لكلمته في العام 2012، اعترفت بالدولة الفلسطينية 138 دولة، وهو الرقم ذاته الذي كان يتحدّث أمامه الرئيس ياسر عرفات في خطابه التاريخي للمرّة الأولى في "الأمم المتحدة" بتاريخ 13 تشرين الثاني 1974، يوم اعترفت بـ" منظمة التحرير الفلسطينية" عضواً مراقباً.
وبين الاعتراف بفلسطين في "الأمم المتحدة" في العام 2012 واليوم، أتاح لفلسطين الدخول إلى هيئات ومؤسسات ومعاهدات دولية، كان استهلالها مع توقيع الرئيس محمود عباس رسمياً على وثائق إنضمام دولة فلسطين إلى 15 إتفاقية ومعاهدة دولية (1 نيسان 2014).
وبعد فشل "مجلس الأمن الدولي" بالتصويت على مشروع القرار الفلسطيني - العربي بوضع جدول زمني لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي عن الدولة الفلسطينية التي اعترف بها العالم (30 كانون الأول 2014)، ووقّع الرئيس عباس في اليوم التالي على طلبات الإنضمام إلى عشرات المعاهدات والمواثيق الدولية، ومنها "معاهدة روما" التي تتيح انضمام فلسطين إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، التي دخلت عضوية فلسطين فيها حيز التنفيذ بتاريخ (1 نيسان 2015)، قبل إرسال الرئيس عباس وثائق إلى "المحكمة" تتيح للإدعاء التحقيق بإرتكاب جرائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ (13 حزيران 2014) سلّمها وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور رياض المالكي إلى المحكمة (17 حزيران 2015)، ثم قدّمت السلطة الفلسطينية إلى "الجنائية الدولية" الدفعة الأولى من الأدلة ضد الجرائم التي ارتكبها الإحتلال منذ العام 1948، فتسليم ملف حرق الرضيع علي دوابشة (3 آب 2015)، وبعدها ملف والديه سعد ورهام اللذين استشهدا متأثرين بجراحهما من الحرق على أيدي المستوطنين الصهاينة الذي كان قد وقع (3 تموز 2015).
وكذلك تصويت "الأمم المتحدة" على قرار رفع علم فلسطين فوق مقرّاتها (10 أيلول 2015) بتأييد (119 دولة)، والذي رُفِع فوق مقرّاتها في نيويورك وجينيف وفيينا، بعد إلقاء الرئيس عباس كلمته في نيويورك (30 أيلول 2015).
وأحدث دخول فلسطين إلى "الجنائية الدولية" نقطة تحوّل أدّت إلى إعلان الولايات المتحدة الأميركية عدم تجديد افتتاح مكتب "منظّمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن (18 تشرين الثاني 2017)، فيما أعلنت السلطة الفلسطينية عن وقف اتصالاتها بالإدارة الأميركية، التي أكدت خطوتها انحيازها للكيان الإسرائيلي المستمر بسياسة التوغّل الاستيطاني، ومصادرة وتجريف الأراضي، والاعتداء وتدنيس المعالم الإسلامية والمسيحية والحضارية، وممارسة القتل والتنكيل والاعتقال والإبعاد، وعدم الإلتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
وعلى الرغم من انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية (8 تشرين الثاني 2016)، والذي أحدث زلزالاً في العالم، إلا أنّ انحياز إدارة البيت الأبيض بقي لصالح الكيان الإسرائيلي، التي تحاول الضغط على القيادة الفلسطينية وابتزازها من أجل الرضوخ للتسوية، بعدما كثر الحديث عن أنّ الرئيس ترامب سيطلقها تحت إسم "صفقة القرن"، والتي يبدو أنّ الفلسطيني هو العقبة أمام إنجازها.
في غضون ذلك، كانت الأنظار شاخصة إلى ما تمَّ التوصّل إليه من اتفاق بين حركتَيْ "فتح" و"حماس" برعاية مصرية (12 تشرين الأول 2017) لإنهاء الانقسام الذي استمر لأكثر من 10 سنوات، واستهل ببدء استلام "حكومة الوفاق الوطني" برئاسة الدكتور رامي الحمد الله مهامها في قطاع غزّة، لكن التأخّر في تمكينها من ممارسة مهامها كاملة، أحدث صدمة سلبية، حيث وجّه عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ومسؤول ملف المفاوضات عزام الأحمد الاتهام إلى إيران بأنّها عملت على عرقلة المصالحة بعد عودة العلاقات مع "حماس"، التي لم تلتزم بتنفيذ الجدول الزمني، الذي اتفق عليه، وهو تمكين الحكومة من ممارسة مهامها كافة في موعد أقصاه يوم غد (الجمعة) الأول من كانون الأول.
وفي ضوء ردود الفعل المتباينة، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مساء أمس (الأربعاء)، قراراً "بوقف جميع التصريحات التي تتناول المصالحة الوطنية والمتسبّبين في عرقلتها فوراً، وذلك من أجل المصلحة الوطنية الفلسطينية، وعلاقاتنا مع الأشقاء المصريين، مع التقيد الفوري بالقرار وللضرورة القصوى".
وأمس، منع موظفون كانت قد عيّنتهم "حماس" موظفين آخرين تابعين للسلطة الفلسطينية من العودة إلى عملهم، بعدما كانوا قد مُنعوا من ذلك إثر سيطرة "حماس" على قطاع غزة (14 حزيران 2007).
وذُكِرَ أنّه جرى منع موظفي إدارات الحكم المحلي والأوقاف والمالية والصحة والتعليم من العودة إلى أماكن عملهم.
ومن المتوقع أنْ يعود الجانب المصري لمتابعة اتصالاته بحركتي "فتح" و"حماس" في محاولة لتذليل العقبات التي اعترضت التنفيذ، وأنْ يتم تحديد موعد جديد للقاء القيادتين بدلاً من الموعد الذي سبق وجرى تحديده بداية كانون الأول المقبل.
وعلم أن اجتماعاً عقد أمس بين وفدي "فتح" و"حماس" برعاية مصرية، حيث تمثل الوفد المصري بالقنصل خالد سامي والعميد همام أبو زيد ونائب المفوض العام للعلاقات الوطنية بحركة "فتح" والدكتور فايز ابو عيطة وقائد حركة "حماس" في قطاع غزة يحيى السنوار.
وعقد اجتماع دعت إليه "حماس" بين قيادتي الحركتين والوفد المصري ونائب رئيس الحكومة الفلسطينية زياد أبو عمرو والفصائل الفلسطينية، تم إثره الطلب من مصر تأجيل استكمال عملية تسليم الحكومة لمهامها من الأول من كانون الأول المقبل إلى العاشر منه، لاعطاء فرصة للحكومة لتتمكن من تنفيذ بنود آليات تنفيذ المصالحة.
فيما تدارست الفصائل تشكيل لجنة وطنية لاسناد الجهد المصري في تحقيق وتعزيز المصالحة انطلاقاً من "اتفاق المصالحة" الموقع في العام 2011 كمرجعية للمصالحة.