العيد ببُعده الروحي مُناسبة للتتبُّع والتمَثُّل والإمتلاء من المؤَلِّه، وببُعده الإجتماعي مناسبة للتناغم والإلفة وشَدِّ أواصر الصداقة والمحبّة. وما بين البُعدَين، تتكوَّن الشخصيّة الدينية وتتألّقُ لتبلغ ذروتها في حياة التحابّ والتلاقي.
ما يحصل أنَّ البُعد الإجتماعيّ للعيد يغزو شيئاً فشيئاً الفضاء الروحيّ ويحتلّه، ويرخي بثقله على المناسبات الدينيّة التي لولاها لما كان عيد، ويضغط عليها ويُحوّر دورها ويشوّه معناها الأصيل ويشلُّ من قدرتها على الخلاص، فتُصبح الأعياد المقدّسة مناسبات للهرج والمَرج، ما يقتلع الإنسان من جذوره الإلهيّه ويرميه في سلَّة قاذورات العالم.
وعيد القديسة بربارة الشهيدة، شأنه شأن عيد الميلاد وعيد القديس فالانتينوس وعيد الفصح، عيدٌ سَرَقه السّوق من المُعَيِّدين، فاستبدل لهم القداسة بالنجاسة، والصدق بالكذب، والطهارة بالفسق، والجمال بالقباحة، والصفاء بالإضطراب، والهدوء بالضجيج. مئات لا بل آلاف الإبتكارات الوسخة والخالية من الآداب الإنسانيّة وبالطبع من آداب الروح، تلك التي لا تضيف إلى حياة الإنسان حياةً، ولا إلى قيَمه قيَماً ولا إلى جماله جمالاً، احتلت المكان والزمان المُخصَّصين لأعيادنا ودفعت بها إلى مكانٍ آخر مختلفٍ كليّاً من حيث الشكل والمضمون، فصرنا نُعَيّد لِما لا نعرف، ولا نعرف لِما نُعَيّد!.
حَملَت إلينا أعيادنا بهاء القداسة، فسمحنا للسوق بأن يحتلّها ببشاعته! قدّمت لنا أعيادنا ثقافة الجمال، جمال الروح والقلب والفكر والنظَرة، فقدَّمنا لأبناءنا القبح والإنحلال الأخلاقي والطمع والجشع، ثقافة! ما الذي يتذكره أولادنا من أعيادنا المسيحية إلاَّ بابا نويل ووجوه البشاعة والألعاب الجنسيّة وأرنب الفصح وبَطَر المُعيِّدين الذي لا يفقهون من العيد إلاّ أكلاً وشرباً وهرجاً ومرجاً وإسرافاً يُلامس حدود الجنون!!! حطّت ثقافة التسلية رحالها في قلب أعيادنا المقدّسة فشوهّتها وشوهّت وجه الإنسان الإنسان، فأصبَح أنَّ كلّ مَن لا يأكل ويشرب ويسكر ويتباهى، لا يُعَيِّد! سَرَقَت ثقافة التسليّة الإنسان من الله وسرقت منه الألوهة الحالّة فيه بفضل سُكنى الله، فتمكّنت من عقله وقلبه وروحه وإرادته وقادته إلى حيث تُريد، فربِح السّوق وخسر الإنسان..وخسرنا الإنسان!
مَن هو المسؤول عمّا أصابَنا ودَفَعنَا ثمنه إنسانيتنا وكلّ جميل فينا، وصورة البهاء الإلهي الحالّ على وجوهنا، وخلاصنا ؟! أنا وأنت ونحن! نعم، كُلُّنا مسؤولون عن انحطاطٍ صنعناه جميعنا بأيدينا عندما استثمر كلّ واحدٍ منّا مواهب الله فيه، في صنع " العجل الذّهبي"، فأصبحنا كالشعب في صحراء مصر نعبُدُ صُنع أيدينا وندعو بعضنا بعضاً إلى العيد قائلين:" هذِهِ آلِهَتُكَ...(يا شعبُ)...غداً عيدٌ للربّ"(خر324-5)، فيتحقّق قَول الكتاب:" إنَّ شَعْبِي صَنَعَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، وَحَفَروا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً"(إر213).
للأسف، أصبح لكلِ عيدٍ من أعيادنا عجله الذّهبي الذي رفعناه مكاناً عليّاً، وعبدناه مكان الله! فأسقَطنا المُقَدّس وسقطنا معه، وأصبحنا في ضيق. وباستطاعة القلوب التائبة وحدها أن تأمر الأيادي التي صنعت العجل الذهبي، فتحرقه بالنار وتطحنه وتتخلّص منه(خر3220)، فيعود المُقَدَّس إلى العيد، ويعود العيد اليوم الذي صنعه الربّ، اليوم الذي نفرح ونتهلل فيه(مز11824).