في انتظار إنضاج تخريجةِ التسوية بعد الاستشارات المتّفَق عليها مسبَقاً في بعبدا، ومعرفةِ شكلِ وطبيعة الضمانات التي ستقدَّم للمملكة العربية السعودية، يُسلَّط الضوء على مرحلة ما بعد الاستقالة وتموضعاتِها، وخصوصاً في ما يتعلّق بالرئيس سعد الحريري وخياراته وتحالفاته.
في البيت الداخلي لـ»المستقبل» تغييرات قيد الدرس والتنفيذ، وفق قاعدة فرز الأوفياء، وقد بدا منذ الايام الاولى لخروج الحريري من السعودية، أنّ الفريق الأقرب اليه والذي خاض معركة «فك أسره» في السعودية، سيكون هو الفريق الدائم، لا بل سيكون الفريق الذي سيحدّد من هُم الاوفياء ومن هم الخوَنة.
في البيت الداخلي لـ»المستقبل»، تغييرات متوقَّعة في كتلة «المستقبل»، تحضيرات لاستبدال نواب، وإسكات آخرين قبل الاستبدال، وتطويق الرئيس فؤاد السنيورة، حيث أعطى الاجتماع الاخير لكتلة «المستقبل» مؤشّراً الى هذا التطويق.
في تلك الجلسة التي ترَأسَها الحريري، والذي سيترأس اعتباراً من الآن كلَّ الجلسات، قال الحريري بصوتٍ عالٍ فور انتهائها: مَن هو نائبي؟ ثمّ نظر صوبَ النائب السابق باسم السبع وطلبَ منه قراءةَ البيان الختامي، ليفهمَ الجميع انّ رئاسة السنيورة للكتلة لم تعُد قائمة.
الى الآن لم تبدأ حملة الفريق القريب من الحريري على السنيورة، إسوةً بالحملة على الدكتور رضوان السيّد والنائب السابق فارس سعيد و»القوات اللبنانية»، لكن ما يُقال عن السنيورة بنحوٍ غيرِ معلن يتخطّى ما ذهب هذا الفريق في اتّهامِه للآخرين، ويبدو انّ الحريري يفضّل التعاملَ مع السنيورة بطريقة مختلفة.
أمّا في شأن النائب عقاب صقر فهو يتعرّض من الفريق القريب من الحريري لحملةِ تضييقٍ وعزل، وقد هوجمَ بقسوةٍ بعد مقابلته التلفزيونية التي أكّد فيها انّ الدكتور سمير جعجع لم ولن يخونَ الحريري، وبالطبع لم يكن ما قاله زلّة لسان.
وقد لفتَ ايضاً كمؤشّر على من سيُطاولهم التغيير تقريرٌ تلفزيوني أعدّه الفريق القريب من الحريري حول مضمون لقاء اللواء اشرف ريفي مع وزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية انور قرقاش، حيث تمّ زجُّ اسمَي النائب أحمد فتفت والوزير جمال الجراح، والهدف استبدالُهما في الانتخابات المقبلة؛ الاوّل لقربِه من السنيورة، والثاني لاتّهامِه بإصدار بيان عن وزارة الاتّصالات يؤكّد التشويش على اتصالات الحريري، ولاتّهامِه بأنّه عقب الاستقالة بدأ يقول في مجالسِه الخاصة كلاماً يخالف توجّهات الفريق القريب من الحريري.
هذه التغييرات، على ما تفيد المعلومات، تعكسُ استعداداً للمرحلة الجديدة، التي ستشهد تمتينَ التحالف الحريري ـ العوني، والذهابَ في التشديد على التسوية السابقة، مع تعديلات يَطمح الحريري الى أن ترضيَ السعودية، وهو ما سيَعني «تنظيف» البيت الداخلي من المشاغِبين على هذه التسوية، وتخييرهم بين السير في سياسة الحريري أو الخروج أو الصمت، والامتناع نهائياً عن التواصل مع أيّ مِن دوائر القرار في المملكة العربية السعودية، ولهذا شنّت الحملة الإعلامية على هؤلاء تحت عنوان «كتبة التقارير»(المقصود بعض هؤلاء المنتمين إلى «المستقبل» وليس فقط ريفي أو سعيد أو السيّد).
وتضيف المعلومات انّ الحريري اتّخَذ قرارَه بالسير في التسوية، واعتبارِ انّ ايّ محاولة لمواجهة «حزب الله» ستكون محاولةً عبثية، وهو يقول إنّ «حزب الله» ولِد منذ 35 سنة، «ولستُ أنا المسؤول عن ذلك، واليوم يطلب منّي ان أواجهه وكلّ التوازنات الداخلية والعربية والدولية لا تسمح بذلك».
وتشير هذه المعلومات الى أنّ صيغة الحلّ، لا بل الإخراج الذي سيُعتمد انطلاقةً للعودة عن الاستقالة، قد يكون على شكل بيان رئاسي او حكومي يؤكد «النأي بالنفس» في اليمن، كما يؤكد التعهّدَ بعدم شنِّ حملاتٍ إعلامية وسياسية على السعودية، وقد تعهَّد «حزب الله» بذلك واشترط شمول هذا التعهد بتطبيق الأمر على إيران والنظام السوري ايضاً.
وتختم المعلومات أنّ هذه الصيغة اذا نالت رضى السعودية ستعيد تجديدَ التسوية، لكنّها تتساءل عن طبيعة الموقف السعودي من طرحٍ كهذا لا ضمانات ملزمة له، وتُسلّط الضوء على إطلاق الصاروخ الحوثي الايراني قبل يومين على السعودية، الذي يمكن أن يعيد مسارَ العودة عن الاستقالة الى نقطة الصفر.