سقطت فرضية استخدام الطفيل كمنصة إرهابية من جديد، لمجرد المناورة. فبعدما كانت عودة أهالي الطفيل تُناقش في الماضي القريب من منطلق التعقيدات الأمنية، شكلت عودتهم يوم أول أمس مصدر طمأنة. وبحسب مصادر أمنية، بات الأهالي يدركون أنّ نعمة العودة لن تترسّخ على الأرض إلا بقطع دابر أيدي من سهّل تسلل الإرهاب، إذا حاولت مرة جديدة.
يوم الأحد في 7 أيار الماضي دعا رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك أهالي الطفيل إلى "العودة إلى بلدتهم يوم الثلاثاء في التاسع منه، بعدما حرّرها حزب الله من الإرهابيين وأصبحت آمنة". العودة لم تحصل يومذاك، بل تأخّرت ستة أشهر ونيفاً لاعتبارات أكبر من البعد المناطقي، وتتصل بسيرورة التنسيق العسكري بين حزب الله والجيش السوري. كلّ ذلك بمعزل عن أنّ حزب الله والجيش السوري كانا قد أخرجا المسلحين من مناطق محاذية للحدود السورية اللبنانية ووصلا منطقة القلمون الغربي بمنطقة الزبداني بريف دمشق الغربي، بخط يمتدّ من جهة طريق دمشق الدولي بلودان والزبداني وسرغايا، الدرة وطفيل جنوباً بعد تنظيف مزرعتي سبنا والدرة وصولاً لجرود فليطا شمالاً.
حالت عوائق كثيرة في السابق أمام عودة أهالي طفيل إلى بلدتهم؛ منها ما كانت ذات صلة بجغرافية البلدة بحدّ ذاتها ووجودها في بيئة حساسة لبنانية – سورية، ومنها ما كانت ذات صلة بالتطورات الأمنية لواقع الجرد القلموني من الجهة السورية، وما كانت تمثله الطفيل من ملاذ آمن لمجموعات إرهابية كانت تستهدف مواقع الجيش السوري والمقاومة، تؤكد مصادر ميدانية في حزب الله، لـ"البناء".
لقد ربطت معالجة ملفّ القلمون الغربي أو ما يُعرف بالسلسلة الغربية للقلمون ربطاً بمعركتي جبهة النصرة وتنظيم داعش في شهري تموز وآب الماضيين. والتطورات الأخيرة التي جرت في قلب بلدة عرسال أُجهز فيها على عدد كبير من المجموعات المسلحة. ولا يزال العمل مستمراً يومياً على فكفكة المزيد من الحضور الإرهابي النائم في عرسال ومخيماتها، تقول مصادر أمنية لـ "البناء".
لقد حققت الأجهزة الأمنية إنجازات مهمة تمثلت بإلقاء القبض على رئيس بلدية عرسال السابق علي الحجيريوالشيخ مصطفى الحجيري. فأبو عجينة وأبو طاقية كانا يمثلان، بحسب المصادر نفسها، رافعتين أساسيتين لمشروع ضرب عرسال والقرى المحيطة وقتل العسكريين والتعامل مع الجماعات الإرهابية. بالتوازي مع ذلك جرتصفقة تسوية بين حزب الله وسرايا أهل الشام قبل بدء معركة جرود عرسال، فحيّدتها عن المعارك، ليرحّل مسلّحوها بعد تحرير الجرود باتجاه الغوطة الشرقية والبعض الآخر نحو القلمون الشرقي، ليكونوا تحت الإدارة المباشرة للدولة السورية ومؤسساتها والدفاع الوطني السوري.
أمام تلاحق هذه التطوّرات الميدانية، كان لا بدّ من عودة أهالي طفيل إلى بلدتهم اللبنانية بعد أربعة أعوام من النزوح إلى الداخل اللبناني، علماً أنّ الأهالي لا يربطهم بلبنان شيء، إذ إنّهم يتداولون العملة السورية ويرتبطون بالدولة السورية استشفائياً واقتصادياً وحياتياً.
وإذا كان ذلك، نتيجة رفع الغطاء السياسي عن بعض الشخصيات السنية في عرسال، فالعودة المفاجئة للأهالي ربطها البعض بأزمة الرئيس سعد الحريري الأخيرة. إذ اعتبر أنّها تطوّر في سياق العلاقة الإيجابية بين حزب الله والشيخ سعد. وهذا كرّس علاقة ممتازة بين جمهور تيار المستقبل والمقاومة، وتحديداً في القرى "السنية" المحاذية للسلسلة الشرقية، وعلى رأسها عرسال وأخواتها. فالأهالي يتحدّثون عن واقع جديد أكثر مرونة وأكثر تفهّماً للعلاقة مع حزب الله، وأكثر إدراكاً لدوره التكاملي مع الجيش في حمايتهم من أيّ فعل إرهابي.
أمل الشيخ يزبك في كلمة ألقاها أمام أهالي بلدة الطفيل في قاعة الشهيد السيد عباس الموسوي في بعلبك في أيار الماضي، أن "تكون عودة أهالي الطفيل إلى بلدتهم مقدّمة لعودة كلّ الذين نزحوا من سورية إلى لبنان وغيره، ليعود النازحون إلى بلدهم ويبنوا وطنهم ويعيشوا مع بعضهم بعضاً".
هل سنكون أمام عودة قريبة للنازحين إلى سورية؟ يتمّ همس عن أنّ التسوية الرئاسية – الحكومية قد توازي بين النأي بالنفس عن أزمات وصراعات المنطقة وعدم التدخل في شؤون الدول الخليجية، وبين عودة النازحين. لكن وفق أية صيغة سيعودون؟ هل ستنسّق الحكومة اللبنانية مع الحكومة السورية حيال ذلك؟ هل سيجرؤ الحريري على اتخاذ قرار كهذا؟
لقد بحث رئيس حزب القوات سمير جعجع يوم الاثنين الماضي مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في ملف النازحين السوريين، وقال "يوجد حدٌّ أدنى من المناطق الآمنة التي هي آمنة مثل لبنان أو أكثر، وبالتالي لا لزوم لاستمرار بقائهم في لبنان، فمن يمكنه العودة عبر معبر المصنع فليس لدينا أيّ مشكلة، ومن لا يمكنه ذلك لأيّ سبب من الأسباب يستطيع العودة الى المناطق الآمنة في الشمال من خلال تركيا أو نحو المناطق الآمنة في الجنوب من خلال الأردن، لذا على لبنان وتحديداً وزارة الخارجية التنسيق مع الوكالات المعنية في الأمم المتحدة والدول المعنية بالأخصّ تركيا والأردن وأميركا وروسيا، ولا أعتقد أنّ هناك لبنانيَّيْن يختلفان حول هذا الموضوع".
ليس مستغرباً أن يتجنّب جعجع الحديث عن ضرورة التنسيق اللبناني - السوري لعودة هؤلاء النازحين. لكن الثابت أنّ رئيس الجمهورية أكد مراراً أنه سيبحث مع سورية عودتهم، وأنّ هناك مشاورات قيد البحث .فهل حان الوقت؟ أم أنّ الواقع سيبقى على حاله بانتظار الحلّ السياسي في سورية وإعادة الإعمار؟