ظهر بشكل واضح ان الخطة "أ" للسعودية مع لبنان لم تؤتِ ثمارها، وان التجييش الذي ارتقبته الرياض ضد حزب الله من قبل اللبنانيين، اعطى مفعولاً عكسياً. اليوم، عادت السعودية الى "استهداف" لبنان عن طريق آخر، وهي التي تدرك تماماً ان الحلّ العسكري في هذا البلد معدوم، وان الحل السياسي لم يكن كما التوقعات، وبات من الصعب جداً في ظل الالتفاف السنّي شبه الجامع حول رئيس الحكومة سعد الحريري ان تسير الحياة السياسية دون ضمّ حزب الله الى الحكومة.
ازاء هذا الوضع، كان لا بد للسعودية ان تتحرك لتظهر انها لم تتراجع عن الاهداف التي وضعتها، وفيما يعتبر الكثيرون ان التطورات في اليمن (اذا ما تم الاتفاق على اعطاء مكاسب للسعودية فيها) ستغني عن اي تحرك عربي ضد لبنان، كان التصريح الناري لوزير الخارجية عادل الجبير حول امرين اساسيين: الاول دعا فيه الى نزع سلاح حزب الله لانقاذ لبنان، والثاني ألمح فيه الى ان المصارف اللبنانية مشاركة في تبييض اموال الحزب.
في ظروف اخرى، كان من شأن مثل هذا التصريح ان يخلق بلبلة كبيرة في السوق المالية اللبنانية، ومن غير المبالغ فيه ابداً القول انه كان سيهزّ الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، وربما عندها وفي ظل التأثير المالي على اللبنانيين والمصارف، قد يضطر الحزب الى مراجعة حساباته وربما يتخذ قراراً سياسياً كبيراً لانقاذ الوضع اللبناني برمّته. ولكن، في الواقع وفي ظل الوضع الحالي، اكتسب الحزب مصداقية اكبر، ففي حين ركّزت الادارة الاميركية على اعتباره حزباً ارهابياً واعلنت حرباً مالية واقتصادية عليه، اعطت الادارة الاميركية "صك براءة" للمصارف اللبنانيّة مع أهميّة قصوى للتعامل مع مصرف لبنان كأحد المصارف المتعاونة في ملف مكافحة تبييض الاموال وتجفيف منابع الارهاب، فهل بات الاميركيون ايضاً متعاونين مع الحزب ام انهم "يغضون الطرف" على معاملات الحزب في المصارف اللبنانية؟.
وقد اثبت القطاع المصرفي اللبناني انه قام على اسس متينة، بدليل ان الازمة الحكومية الاخيرة لم تشكل اي خطر على السوق المالية والتعاملات المصرفية او على سعر صرف الليرة، وهو امر كان محط تقدير ومتابعة من قبل الدول الاجنبية. وانطلاقاً من هذا الواقع، اعتبر البعض ان كلام وزير الخارجية السعودي كان بمثابة الخطة "ب" للسعودية في التعامل مع لبنان، ولكن هذا البعض اعتبر ان هذه الخطة لم ولن تحقق غايتها وستدعو الحاجة بالنسبة الى الرياض الى الاستعانة بالخطة "ج" بشكل اسرع من المتوقع.
الا ان العودة الى ما قيل من ان احداث اليمن قد تغيّر مجرى السياسة السعودية، يجدر التوقف عنده. فهدف الرياض واضح وضوح الشمس، فهي ترغب في الاطمئنان الى حدودها مع اليمن، وبالتالي لن يكون التركيز على لبنان وحزب الله كبيراً اذا ما حصلت على مبتغاها، وهذا هو سر الضغوط التي مورست وتمارس على لبنان لـ"النأي بالنفس" عن الاحداث في الدول العربية، والا تتدخل ايران في الشأن الخليجي.
في لبنان، لا يبدو ان الاوضاع تسير نحو التدهور، فوفق ما يقال في الصالونات السياسية على لسان اكثر من مسؤول ومطلع على الامور، تم تخطي المرحلة الاخطر، والآتي من الايام لن يكون اخطر مما سبقها في هذا المجال، فالحدث بات في اليمن وعلينا جميعاً ان نعرف كيف ستنتهي الامور هناك، بعد ان باتت الصورة في سوريا والعراق شبه كاملة. الخطة "ب" وما يمكن ان يليها لن يكون تأثيرها كبيراً على لبنان واللبنانيين، ويبدو ان الحزب ثابت على سياسته المتبعة منذ بداية الازمة الحكومية وحتى انتهائها، وفي ظل هذه المعادلة ووسط التأكيدات الغربية البالغة الوضوح في تأييد استقرار لبنان واعتباره اولوية، سيتفرّغ البلد لتعزيز الاوضاع الداخلية على الصعد كافة، والمحطة الاولى جلسة مجلس الوزراء المرتقبة.