سجّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خرقاً في جدار الغياب الفرنسي عن قضايا العالم العربي، لدوره في إنهاء «إقامة جبرية» فرضت على رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في السعودية. وهذا دور يستطيع ماكرون أن يستثمره، لإعادة فرنسا لاعباً في قضايا المنطقة والإقليم، بعدما جرى تهميشها من قبل حلفائها الغربيين.
واضح، أنّ تحرّك ماكرون يستهدف تحقيق نقلة فرنسية في إطار الخلفية المشار إليها آنفاً، لكن ما يجب على الإدارة الفرنسية أن تفهمه جيداً، هو أنّ واقع المنطقة ـ «الشرق الأدنى»، واقع معقد، والتأثير فيه يفرض تعاطياً موضوعياً ودوراً مختلفاً عن الدور البالغ السوء الذي تمثل بنشر الفوضى وتوفير كلّ أشكال الدعم المعنوي والمالي والسياسي والإعلامي للمتطرّفين والإرهابيّين الذين جرى تجميعهم من أصقاع الأرض كلها.
إنّ تورّط فرنسا، واشتراكها مع الولايات المتحدة في صناعة الإرهاب واستخدامه ضدّ دول عربية بغرض تدميرها وتقسيمها وتفتيتها، جعل صورة فرنسا بشعة وسوداء، وبالتالي فإنّ تجميل هذه الصورة يحتاج إلى الكثير من الوقت، وإلى المزيد من الخطوات.
خطوة ماكرون التي أخرجت الحريري من الإقامة الجبرية في السعودية، رأى فيها البعض، بداية مسار قد يتطوّر باتجاه استعادة دور فرنسي لا يخضع بالمطلق لأميركا، لكن هذه الفرصة قوّضها ماكرون نفسه حين دعا إلى تفكيك «الحشد الشعبي العراقي»، ما اعتبر تدخلاً سافراً في شؤون العراق الداخلية، خصوصاً أنّ الحشد الشعبي يحظى بالشرعية القانونية الكاملة من قبل الدولة العراقية.
موقف ماكرون ضدّ الحشد العراقي، والذي صدر أثناء استقبال رئيس حكومة حزب مسعود البرزاني في الأليزيه، أسقط أيّ احتمال بإمكانية أن يكون لباريس دور مستقلّ عن واشنطن.
السؤال: كيف توفّق فرنسا بين دعوتها لتفكيك «الحشد الشعبي» الذي يحظى بالشرعية من الدولة العراقية، وبين تأييدها لتشكيل عراقي يأخذ شكل «الدولة المستقلة» وقد أجرى استفتاء انفصالياً هدّد وحدة العراق وسلامته؟
وما موقف فرنسا ودورها لو أنها وضعت أمام معادلة «الحشد» مقابل «البشمركة»؟!
واضح أنّ ماكرون لم يقرأ جيداً أوضاع المنطقة وتعقيداتها، فما كاد أن ينجح في خطوة صغيرة حتى أخفق في الحسابات الكبيرة.
ماكرون أضاع فرصة لبلاده، فإلى متى تبقى السياسات الأوروبية، وتحديداً الفرنسية، عمياء، وتعمل لمصلحة أجندات أميركية؟!