أُضيئت شجرة الميلاد المجيد أمام كنيسة المهد، حيث ميلاد السيد المسيح (عليه السلام)، فيما تشخص الأنظار إلى بُعد كيلومترات عدّة، في القدس الرازحة تحت نير الإحتلال الإسرائيلي.
وسُجّلت أمس خطوة غير اعتيادية واستفزازية، تمثّلت بتنفيذ مخطّط شرطة الإحتلال الإسرائيلي بمرافقة مجموعة من المستوطنين سمحت لهم بالتجوّل على صحن الصخرة المشرفة في المسجد الأقصى، الشاهدة على معراج الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) إلى السماء بعد إسرائه من مكة المكرمة.
وتأتي محاولات الإستفزاز الإسرائيلية متعدّدة الأوجه، قبيل توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على أمر تجميد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس لمدّة 6 أشهر، وهو التدبير الذي درج على القيام به الرؤساء الأميركيون المتعاقبون، وقام به ترامب قبل 6 أشهر. لكن التوقيع هذه المرّة يترافق مع خطوة بالغة الخطورة، حيث سيعلن الرئيس الأميركي، الأربعاء، في بيان رسمي الإعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، ولن يكتفي بذلك، بل سيضيف العاصمة الموحّدة.
ومساءً اعلن جاريد كوشنر صهر ترامب ان الرئيس يقترب من تحديد موقفه اوتأجيل ذلك كما فعل سابقاً، من دون ان ينفي التقارير حول نية ترامب اعلان القدس عاصمة لاسرائيل الاربعاء المقبل.
وهذا يعني القضاء على أي آمال بإمكانية التوصّل إلى حل الدولتين، تاركاً أمر تحديد وضع القدس في إطار المفاوضات بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي.
ويستغل الرئيس الأميركي الظروف السياسية وغطرسة إدارته، وعدم الفاعلية العربية والإسلامية في مواجهة سياسته، على الرغم من الكلام المعسول والمكانة التي تشكّلها المدينة المقدّسة لدى العرب والمسلمين.
وسينفّذ ترامب الوعد الذي قطعه خلال الإنتخابات الرئاسية قبل عام بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وذلك خلافاً للسياسة التي اتبعها الرؤساء الأميركيون خلال عقود خلت.
ويشارك ترامب في النقاشات الدائرة في البيت الأبيض بشأن هذا الموضوع، حيث يبدو عصبياً، ومُصرّاً على هذه الخطوة، على الرغم من التحذيرات التي أبلغته إياها جهات في البنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية، خشية الغضب الفلسطيني والعربي والإسلامي، نظراً إلى أهمية القدس وأبعاد هذا الإعتراف.
لكن هذا التغيير الدراماتيكي يتجاوز الإضرار بالعملية السلمية وحل الدولتين، ويشكّل خرقاً للقانون الدولي بشكل فظ، والتغطية على جرائم وممارسات الإحتلال، ويؤدّي إلى التأكد من عدم حيادية الراعي الأميركي، بل انحيازه إلى الكيان الإسرائيلي، وشعور المواطن الفلسطيني والعربي والمسلم باليأس والإحباط، ما يؤدّي إلى تأجيج "إنتفاضة القدس" المستمرّة منذ حوالى العامين، وعدم الإستقرار والأمن في فلسطين والمنطقة والعالم، وصولاً إلى أنْ تكون السفارات والمصالح الأميركية هدفاً لعمليات أمنية، قد يستغلها البعض، تحت عنوان الدفاع عن مدينة القدس.
وفي إطار المعالجات، أجرى الرئيس الفلسطيني محمود عباس مروحة اتصالات شملت عدداً من الزعماء العرب وقادة العالم، وفي طليعتهم: العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وحذّر الرئيس الفلسطيني من الخطوة، طالباً تدخّلهم لدى الإدارة الأميركية والتحرّك لما تمثّله مدينة القدس من مكانة على المستوى العربي والدولي، ولحماية المدينة ومقدّساتها الإسلامية والمسيحية في ظل المخاطر التي تُحدِق بها، وما يمكن أنْ يؤدّي إلى تدمير عملية السلام، وإدخال المنطقة في مسارٍ جديدٍ لا يمكن السيطرة عليه.
وفيما يترقّب العالم قرار ترامب، بدأ الأميركيون يحضّرون المبنى ليكون جاهزاً لتنفيذ أمر نقل السفارة فور صدوره.
والمبنى يقع قبالة فندق "ديبلومات" في حي "أرنونا" بمدينة القدس، حيث تعاون الأميركيون مع مهندس تصاميم مقدسي شهير كان بمثابة حلقة وصل بين مبعوثي الرئيس الأميركي ولجنة التخطيط والبناء في القدس، التي من المنتظر في نهاية الأمر أن تصادق شكلياً على الخطط الأميركية.
ووفقاً للمستندات التي تمَّ تقديمها لمسؤولي التخطيط والبناء في بلدية القدس، فإنّ الأميركيين قد أعدّوا الخرائط الهندسية الضرورية لإنشاء مبنى السفارة، التي تتضمّن غرفاً محصّنة وممرّات النجاة لدى الضرورة، وتحويل المداخل والمخارج القائمة حالياً في مبنى الفندق المجاور وإقامة بديلة لها، كما تتضمّن غرفاً تحت الأرض، إضافة إلى تجهيزات أمنية خارج المبنى مثل: الأسوار، وكاميرات المراقبة الأمنية، ونقاط الحراسة حول المقر.
وذُكِرَ أنّ الأميركيين طلبوا من مسؤولي التخطيط والبناء الإسرائيليين، عدم السماح ببناء مبانٍ عالية على مسافة محدّدة من مقر السفارة، خشية أنْ يكون المقر مكشوفاً أمام جيرانه من الأعلى.