عندما ظن معسكر العدوان على سورية انه حقق مكسبا في الميدان، جمع حشده وسار إلى جنيف ليصدر البيان رقم 1 الذي يعني للمعتدي بأن العدوان أسقط سورية وان على من في السلطة فيها ان يسارع إلى تسليم الحكم للدمى الأميركية التي تحمل جنسية سورية وتسمى معارضة.
وبعد اقل من سنتين وبمسعى من الأخضر الإبراهيمي - الموفد الدولي إلى سورية - وبمساعدة آخرين، حاول معسكر العدوان على سورية ان يعقد جنيف 2 مشترطا استبعاد إيران عنه وان تعتمد وثيقة النقاط الثماني الأممية التي تفسرها أميركا أيضا بانها طريق لتحقيق اهداف العدوان باستبعاد الحكومة الشرعية الوطنية السورية وتنصيب من يسلم سورية إلى المعسكر الصهيواميركي ويجعلها خنجرا في قلب محور المقاومة بعد ان كانت قلعته الصلبة.
وتتالت حلقات جنيف برعاية فعلية أميركية وبقصد واحد هو انتزاع الحكم من اليد السورية الوطنية وتسليمها إلى يد عميلة يتخذها الغرب أداة لعدوانه على المنطقة والسيطرة عليها، ولكن سورية عرفت بدبلوماسيتها المستندة إلى خبرة وعمق في السياسة والمدعومة بقوى ميدانية قادرة على الدفاع رغم الظروف الصعبة، وتشكل في بعض الحالات ارجحيه لمصلحة المعسكر المعادي.
ان سورية هذه عرفت كيف تدافع وكيف تتملص من الافخاخ التي نصبت لها في جنيف وتملصت بحذاقة من كل الضغوط والأخطار التي كانت تحدق بها.
أمام هذا النجاح السوري الدبلوماسي، وأمام المنطق السوري الواضح والصلابة في التمسك بالمبادئ الوطنية السورية التي تحفظ الاستقلال والسيادة، قررت أميركا ان تجمد مسار جنيف وان تعود بقوة إلى الميدان وان تفرض فيه ما يلزم وما يكفي لاستسلام سورية. وسجل ربيع الـ 2016 انقلابا أميركيا ضد جنيف حيث أوقفت المعارضة المنقادة أميركياً المفاوضات وفجرت الجبهات في سورية، لكن الميدان جاء بما لا تشتهي أميركا وأسقط الإرهاب في حلب وفتحت طريق رديفة لجنيف على ضوء الانتصارات السورية فكانت استنة ثمرة للمتغيرات لمصلحة سورية، وبرزت رعاية دولية جديدة للقضية السورية أبعدت عنها أميركا المعطلة واحتلت روسيا موقع المحفز الباحث عن حل لتلك القضية.
هنا وبعد توقف طال لسنة عادت أميركا وأوعزت للمندوب الأممي دي مستورا إعادة تحريك جنيف حتى لا تترك لاستنة فرص الحلول مكانها ومنذ ذاك الحين بات هناك دعوة لجنيف في كل مرة يدعى إلى استنة وحاولت أميركا ان تعطل مسار الأخيرة بشتى الطرق دون ان تبدل في سياستها ونظرتها وغاياتها من جنيف، وكانت الفضيحة الكبرى في جنيف 8.
لقد دعا دي مستورا إلى جنيف 8 في موعد حدده متضاربا مع مشروع اجتماع انبثق عن استنة، ثم أعد لجنيف 8 بياناً اقل ما يقال فيه انه بيان أناس أصابهم العمى او الجنون الذي حرمهم النظر إلى الواقع، فتكلموا بكلام يعود إلى ست سنوات خلت واستعادوا بيان جنيف 1 بكل مضامينه وان اختلفت العبارات، وقد ظن هؤلاء انهم سيضعون سورية امام احد خيارين: إما القبول بالتفاوض المباشر على ضوء بيانهم المسمى (الرياض 2)، وهنا يكون الكسب العظيم لهم لانهم سيمنعون سورية من صرف انتصاراتها في الميدان على طاولة السياسة والوصول إلى ما عجزوا عنه في الميدان عبر الاحتيال السياسي في التفاوض، او أحراج سورية لإخراجها وتحميلها مسؤولية الفشل.
انها خطة احتيالية ظن أصحابها انها محكمة وانهها فخ ستقع فيه سورية ولكن النتائج في المواجهة جاءت على عكس ما خطط له المعتدون، وتصرفت سورية مرة أخرى باحتراف وذكاء فلم تقاطع الغدو إلى جنيف 8، ولم تستجب للطلبات الغبية، فكان الحضور السوري لمدة 48 ساعة في حنيف كافيا لإفشال الهطول وتعرية أصحابها ومعهم المندوب الأممي دي مستورا الذي يلعب في العمق دور المندوب الأميركي الحقيقي في قيادة المعارضة السورية ويقوم بكل ما يراه مزعجا لسورية وفي خدمة المعارضة الأميركية السعودية، ويخفي الوثائق والطلبات السورية ويطرح البدائل المنحازة متجاوزا صلاحيته وطبيعة ولايته وانتدابه على حد ما وصفه رئيس الوفد السوري إلى جنيف .
لقد سعت أميركا للقاءات جنيف ومنذ العام 2012 مسارا محددا وواحدا تحقق فيه الغاية من العدوان وترفض أميركا عبر ممثليها الذين تسميهم معارضة أي تعديل لهذا المسار ورغم انها هزمت في مشروعها العدواني ما زالت تأمل ان تبلغ عبر جنيف وتحقق أهداف عدوانها، لهذا نجد كيف تتصرف في هذا المؤتمر من خلال فريقها المشارك والذي تبدلت أشكاله أكثر من مرة وبقيت مهمته وجوهره واحدة وهي التبعية التامة والطاعة العمياء لأميركا وأدواتها الإقليمية، ويسعى لاستلام السلطة.
ومن اجل ذلك كانت أميركا وأدواتها يعطلون مؤتمر جنيف في كل مرة يجدون صلابة سورية وارجحية سورية في الميدان، وما عودتهم إلى جنيف في مطلع العام الجاري إلا بسبب إطلاق المسار الذي فهموا منه انه قد يكون مسارا رديفا او بديلا، ولهذا سعوا مذ ذاك للعمل على خطين: عرقلة مسار استنة ومحاولة الابتزاز في جنيف مدعين ان جنيف فقط هي المكان المؤهل لحل القضية السورية دون ان يكون لها شريك او بديل لا في استنة ولا في سوتشي.
بيد ان الأحلام والآمال والأوهام الأميركية في مكان والحقيقة والواقع في مكان آخر، حيث ان سورية انتصرت في الميدان، ومعسكر الدفاع عنها بات هو صاحب الكلمة الفصل في القضية وان الإرهاب الذي اعتمدوه لتحقيق أهدافهم العدوانية سقط وفشل وهو الآن قيد التصفية، وان الأوراق التي ما زالت بيدهم في الميدان السوري ليست بالحكم الذي يمكنهم من وضع خطة استراتيجية تغير اتجاه المشاهد ونتائج المواجهة الدائرة منذ سبع سنوات. ومع هذا يبقى حلمهم ووهمهم بالنسبة لهم قيد المحاولة والإعمال.
أما معسكر المقاومة فانه يتحرك على ارض صلبة ممسكا بميدان استعاد السيطرة عليه، وبحقوق وطنية وسيادية ومبادئ ثابتة ومشروعية دولية لا نزاع فيها، ويستمر في البحث عن مخرج من ازمه صنعها العدوان على سورية وعلى محور المقاومة، وهو كما قاد معركته الدفاعية في الميدان وانتصر يستمر في معركته السياسية وسينتصر، فممارسو السياسة المكلفون بالمفاوضات لديه ليسوا اقل شاناً واحترافاً في مجالهم من مارسوا المواجهة والقتال والميدان. وعلى الجميع أن يعلم ان من انتصر في الميدان لن يسلّم لخصمه وعدوه انتصاره، ويمنحه او يعطيه ما لم يحصل عليه في القتال.