لفت بطريرك انطاكيا واورشليم والإسكندرية وسائر المشرق يوسف العبسي في كلمة له خلال قداس الهي بمناسبة عيد القديسة بربارة في زحلة إلى "أنني أشكركم جزيل الشكر على الاستقبال الكنسيّ الحارّ والخاصّ الذي استقبلتموني به في هذه الرعيّة المباركة، رعيّة القدّيسة بربارة، في هذا الحيّ العابق بعطر الإيمان وكلّ استقبال يقيمه المؤمنون هو احتفال بيسوع المسيح الذي يستحقّ وحده أن نحتفل به وأنا جئت إليكم اليوم مع أخي سيادة المطران عصام يوحنّا والأبناء الكهنة لكي نحتفل معكم بالربّ يسوع في الليترجيّا الإلهيّة التي هي خير مكان نحتفل به بيسوع. وكلّ احتفال بيسوع هو احتفال بالفرح. لذلك أنا اليوم سعيد جدًّا إذ أُتيح لي أن أقيم معكم هذا الاحتفال في عيد شفيعتكم القدّيسة بربارة".
وأشار إلى أنه "لهذا العيد تقاليد وعادات شعبيّة تناقلها المسيحيّون منذ أجيال وأجيال، ومنها عادة التنكّر بلبس الأقنعة والتنكّر بلبس الأقنعة هو أن يُخفي المرء وجهه الحقيقيّ بوجه مستعار بحيث لا يعود يعرفه من يراه، والتنكّر بالتالي هو أن يخفي المرء حقيقته ويُظهر للناس حقيقة أخرى غير صحيحة"، موضحاً أن "التنكّر له غايات متنوّعة، فهو يدلّ أوّلاً على حاجة الإنسان إلى أن يغيّر وجهه، إلى أن يظهر بمظهر غير المنظر الذي اعتاده الناس، إلى أن يتجدّد؛ ويدلّ ثانيًّا على تعب الإنسان من الوجه الذي طبع عليه، ويدلّ بالتالي على رغبة في استبداله بوجه آخر يلائمه ويريحه؛ ويدلّ ثالثًا على المراءاة أي على إرادة الظهور بوجه هو غير الوجه الحقيقيّ لخداع الناس، وهذا ما أشار إليه السيّد المسيح حين قال لتلاميذه: "متى صمتم فلا تكونوا كالمرائين، فإنّهم ينكّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين" (متّى 6: 16)، أمّا الوجوه التي يتنكّر الناس بها فهي متنوّعة، منها المخيفة ومنها المضحكة، منها الأليفة ومنها الغريبة، منها الشرّيرة ومنها الخيّرة، منها المريحة ومنها المتعبة وكلّ وجه يدلّ على ما يرغب صاحبه أن يراه الناس فيه أو ربّما أن يكون وجهه الحقيقيّ لو ترك له أن يختار وجهه".
وأضاف البطريرك العبسي "التنكّر ليس بغريب عن الحياة الروحيّة المسيحيّة. فإنّ المسيح يقول لنا إنّ من أراد أن يتبعه عليه أن ينكر نفسه، أي أن يخفي نفسه، أن يتخلّى عنها ليس لكي يظهر للناس على خلاف ما هو عليه، بل لكي يحلّ محلّها السيّد المسيح. ذلك يعني أن يغيّر ويجدّد مسلكه بل حياته بل كيانه، ليصير شبيهًا بالمسيح، لتصير صورته ووجهه مثل صورة المسيح ووجهه، ذلك يعني أن يخلع الإنسان العتيق ويلبس الإنسان الجديد يسوع المسيح. أجل إنّ المسيحيّ مدعوّ إلى أن يتنكّر، إلى أن يلبس قناعًا، لكنّ هذا القناع ليس إلاّ يسوع المسيح عينه كما يقول لنا الرسول بولس: "أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم"، وكما يقول لنا المسيح نفسه: "من أنكرني قدّام الناس فإنّي أنكره قدّام أبي الذي في السماوات" (متّى 10: 33)، أي إنّ الذي يلبس وجهًا ويُظهر للناس وجهًا غير وجه المسيح فإنّ المسيح لن يُظهر وجهه لله، أي لن يتعرّف عليه ولن يعترف به قدّام الله".
وتابع " عيد الشهيدة بربارة مناسبة نرجع فيها إلى ذواتنا لنرى ما الوجه الذي نرتديه، ما القناع الذي نضعه على وجوهنا، ماذا نُخفي عن الناس وماذا نُظهر للناس. إنّ عيد البربارة يسألنا هل نحن صادقون، نسلك بشفافية، نقول للنعم نعم وللاّ لا، أم نحن كاذبون مخادعون مراؤون، لنا وجهان، وجه باطنيّ ووجه خارجيّ"، مشيراً إلى أن "عيد الشهيدة بربارة فرصة نرجع فيها إلى ذواتنا لنرى خصوصًا هل نحن نلبس وجه يسوع أم وجهًا آخر، هل نعكس صورة يسوع أم صورة غيره، هل نستبدل وجهنا بوجه يسوع أم بوجه آخر؟ هل فكّرنا يومًا أن نسعى لكي نضع على وجهنا قناعًا هو وجه الشفيع الذي نحمل اسمه؟ وبتعبير آخر، هل فكّرنا أن نقتدي بسيرة هذا القدّيس الذي سُمّينا باسمه ونطلب شفاعته؟اليوم عيد الشهيدة بربارة، فلنحاول أن نتأمّل في سيرتها البطوليّة، أن نستشفّ روحانيّتها العميقة، أن نستقرىء إيمانها القويّ. على هذا النحو نكون لبسنا وجهها واحتفلنا حقًّا بعيدها".
من جهته، رحب راعي الأبرشية المطران عصام يوحنا درويش، بالبطريرك العبسي وشكر بلدية زحلة-المعلقة وتعنايل بشخص رئيسها اسعد زغيب على تعاونها وجهدها بهدف انجاح الزيارة.