من بوابة الالتزام بخطاب القَسَم والبيان الوزاري لحكومة «استعادة الثقة»، استعاد الرئيس سعد الحريري زمام رئاسة الحكومة، فسقطت «الاستقالة» الجبرية، بعد أن تمّ إسقاط محمولات الاستقالة الخليجية التي استهدفت النيل من وحدة لبنان واستقراره وسلمه الأهلي.
عاد الحريري عن استقالته، فعادت الحكومة مجتمعة إلى سكة العمل الدؤوب لإنجاز ما تعهّدت بتحقيقه في بيانها الوزاري، وللقيام بما هو مطلوب منها، لا سيما إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وهو استحقاق ديمقراطي أساسي ينتظره اللبنانيون كافة.
تعود الحكومة إلى العمل، وفق بيانها الوزاري، مع إضافة مصطلح «النأي بالنفس»، لكن هذه الإضافة لا تعني النأي عن الاضطلاع بمسؤولية التصدّي للعدوان الصهيوني ومواجهة الإرهاب والتطرف. فهذا أمر بديهي، يجب أن تدركه القوى كافة في لبنان. وليس من مصلحة أحد الخروج عن سياق متطلبات «النأي». فلبنان لم يتدخّل يوماً في شؤون أية دولة من دول العالم العربي، لكنْ هناك دولٌ عربية لطالما تدخّلت في شؤون لبنان. ولذلك حين تطلق الحكومة اللبنانية مصطلح «النأي بالنفس»، ليس لأنّ لبنان كان متدخّلاً في شؤون هذه الدولة العربية أو تلك، بل من باب الحرص الأكيد على علاقات طيبة مع الدول العربية كافة، ومن دون استثناء، إلا من لا يريد من هذه الدول علاقات طيبة مع لبنان واللبنانيين.
حرب تموز 2006، كانت بين لبنان «جيشاً وشعباً ومقاومة» وبين العدو الصهيوني ومَن معه، وقد وضعت «إسرائيل» كلّ قدراتها العسكرية لتصفية المقاومة، وارتكبت أفظع جرائم القتل والتدمير، لكن المفارقة وقتذاك أنّ بعض العرب زجّ بنفسه، وتجرّأ على وصف المقاومين بالمغامرين، فكان الردّ انتصاراً للبنان على «إسرائيل».
وعندما بدأ الإرهاب يضرب في لبنان ويقتل الأطفال والنساء بالمفخّخات والانتحاريين، وجد لبنان مصلحة في مواجهة الإرهاب، وفي الاشتراك مع سورية في خوض معركة القضاء على هذا الإرهاب. فما الذي يضير بعض العرب حين يحقق لبنان مصلحة وطنية تحمي أمنه واستقراره ومواطنيه؟!
لبنان منذ الأساس لم يُسئ إلى أية دولة شقيقة، لكنْ هناك دولٌ عربية جلبت الخراب والدمار والقتل على دول عربية شقيقة من ضمنها لبنان، ومَن جلب الخراب والفوضى جاهر بدعم الإرهاب ورعايته وتبنّيه تحت مسميات عدة.
على أية حال، «النأي» اللبناني رسالة ملؤها الحرص على أطيب العلاقات مع الدول العربية. وفي المقابل بعض العرب مطالبون بالنأي بأنفسهم عن دعم الإرهاب، لأنه عدو لبنان والعرب والإنسانية جمعاء.