تتبدل الاحوال السياسية في المنطقة المحيطة بلبنان بشكل سريع بحيث لا يخرج البلد من تأثير أزمة حتى يدخل في ارتدادات اخرى، ولكن وسط كل هذا المشهد الملبّد يمكن للبنان اذا ما توحد سياسيوه أن يحقق ما عجز عن تحقيقه في الماضي ويجعل "نتائج" التغيير تصب في مصلحته الأمنية والسياسية والاقتصادية.
نجح لبنان بتحويل أزمة رئيس حكومته سعد الحريري الى فرصة نادرة لتحقيق "التناغم" السياسي بين الأقطاب الأبرز فيه، فكان الموقف السياسي الموحد سلاحا قويا في وجه العالم، استطاع لبنان من خلاله إعادة الحريري ونفخ الحياة مجددا في جسد الحكومة. شكّل هذا الأمر بحسب مصادر سياسية مطلعة درسا مفيدا للبنانيين، أنه بتوحدهم يمكن تحقيق الكثير من الايجابيات. وتضيف المصادر عبر "النشرة": "كما في السياسة كذلك في الاقتصاد حيث يمكن للبنان الاستفادة اقتصاديا من كل الفرص عندما تكون "قراراته سيادية" ولا يرضى بتحديد الأسواق التي يمكن له الانفتاح عليها والاستثمار فيها أو التزود منها بما بحتاجه".
يأتي حديث المصادر بعد أن علمت "النشرة" أن لبنان "يخسر يوما بعد يوم" فرصة الانفتاح على سوق تجارة حرة جديد يضم أكثر من 300 مليون نسمة يمتد من سوريا الى باكستان مرورا بالعراق وإيران. وفي هذا السياق تكشف مصادر إيرانية أن "إيران الموقعة على اتفاقية تجارة حرة مع سوريا أصبحت قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاقية مماثلة مع العراق، ولا مانع لديها من توقيع مثلها مع لبنان"، مشيرة الى أن المانع الذي يقف عثرة امام هذا الامر هو "المصارف اللبنانية".
وتضيف المصادر: "تمنع المصارف اللبنانية الشركات الايرانية العامة والخاصة من تحويل وتبادل الأموال عبرها خوفا من العقوبات الاميركية رغم أن هذا الرفض لا يستند الى قوانين مصرفية لبنانية داخلية ولا الى قوانين دولية أو عقوبات أممية، وبالتالي لا يوجد له أي مسوغ قانوني"، مشيرة الى أن هذا الأمر يجعل من الصعب جدا لأي شركة إيرانية او لبنانية أن تستثمر أو تدخل مجال التجارة او أن تشارك بمناقصات أو مزايدات".
وإذ تؤكد مصادر لبنانية مطلعة هذا الأمر، تشير الى أن الدولة غير قادرة على تغيير سياسة قطاع خاص كقطاع المصارف الذي يتصرف احترازيا مع الأموال الإيرانية لحماية نفسه. وتضيف لـ"النشرة": "يلتزم النظام المصرفي اللبناني بالقوانين الأميركية التي دائما ما تلوّح بسيف العقوبات لمواجهة حزب الله، ولذلك تجد المصارف نفسها في موقف صعب إن تعاملت مع إيران بحيث يصبح اتهامها بتسهيل عملية نقل الأموال للحزب".
تدعو إيران دوما لفصل الخلافات السياسية عن الملفات الاقتصادية، ففي الشق الإقتصادي تكون المنافع مشتركة، ولبنان أحوج ما يكون لأسواق جديدة وفرص استثمارات متنوعة، خصوصا وأن اقتصاده القائم على الخدمات لا النفط بحاجة الى كل فرصة سوق تلوح أمامه. وتقول المصادر: "رغم الخلاف السياسي الكبير بين إيران والإمارات العربية المتحدة نجد التعاون الاقتصادي بين رجال الأعمال الإيرانيين وإمارة دبي في أوجه، حيث يحتل الإيرانيون أحد المراكز الثلاثة الاولى في قائمة المشترين الأجانب للعقارات فيها، وتصل قيمة التجارة بين البلدين الى ما يزيد عن 20 مليار دولار سنويا"، مشيرة الى أن ما يسري على هذا المثال يجب أن يسري على لبنان بحيث يتم التفريق بين السياسة والاقتصاد والتنمية والتكنولوجيا.
لا يمكن للاقتصاد اللبناني أن ينهض ما لم يعتمد على الأسواق المحيطة به، وهذا الأمر تبيّن خلال السنوات الماضية عندما تعرض السوق السوري لآثار الحرب، فهل يتم رفض "الهيمنة" وفتح الأسواق بين لبنان وإيران وما بينهما من دول مستعدة للتبادل التجاري الحر؟.