رأى رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، خلال إحتفال الوفاء الذي أقامته جامعة الحكمة، في إطار سنة الشهادة والشهداء في الكنيسة المارونية والمئوية الأولى لاستشهاد المثلث الرحمة المطران بطرس شبلي رئيس أساقفة بيروت سابقا، ان علاقة اللبنانيين عامة مع فرنسا، والموارنة منهم بخاصة، لم تستند يوما إلى تنكر هؤلاء لأهل منطقتهم أو إلى سعي منهم لتأمين مستقبل لهم منفصل عن مستقبل إخوانهم العرب جميعا، وكأنهم يريدون بناء كيانات خاصة بهم وحدهم، بل كان التطلع نحو الحداثة ونحو المواطنية المتساوية بين أهل الدار، كائنا من كانوا وإلى أي دين انتموا، وللدلالة على هذا السياق، فإن سقوط الأمبراطورية العثمانية قدم فرصة لشعوب هذه المساحة الجغرافية الواسعة كي تطالب بحقوقها في حياة سياسية واجتماعية ضمن أوطان ودول لها شخصياتها التاريخية، من مثل لبنان ومصر واليونان وشرق أوروبا وحتى تركيا نفسها. وما حدث في لبنان كان من الأهمية بمكان، لأن الكنيسة دخلت على خط المطالبات من أجله وأرسلت تباعا وفودا رفيعة المستوى، إلى محادثات فرساي في فرنسا، تألفت من كل طوائف البلاد لتطالب باستقلال لبنان بمسلميه ومسيحييه وبرفع كيانه التاريخي إلى مستوى دولة ذات سيادة. وقد تم للبنانيين ما أرادوا وأعلنت في الأول من أيلول سنة 1920 هنا في بيروت دولة لبنان الكبير التي سنعيد لمرور مئة عام على قيامها بعد أقل من ثلاث سنوات".
ولفت الى " المطران شبلي كان يحمل لبنان هذا في قلبه، ويعبر عن حلمه جهارا بقلمه وشفتيه. فنال بفعل الجرأة هذه حظوة للشهادة، ولو بقي حيا لكان وقع الاختيار عليه في عداد الوفود المطالبة في فرنسا باستقلال لبنان وسيادته. فهكذا يكون الدبس قد زرع فكرة الوطن الموحد بمسلميه ومسيحييه، وهكذا يكون شبلي قد روى الزرع بدمائه، " مؤكدا انه "لم يكن هؤلاء الأحبار ولا اللبنانيون من حولهم يرومون في أن يصبح لبنان مستعمرة فرنسية، ولا أن يتحول إلى حصان طروادة في قلب العالم العربي المشرقي، بل أرادوه، بمساعدة من الأصدقاء، وطنا مثاليا في العيش الواحد وفي المواطنة الحقة والكاملة بين أبنائه جميعا. وعندما كان للبنانيين أن يختاروا بين استقلالهم ومتابعة نهج الانتداب الفرنسي في بلادهم، وقف المطران مبارك معهم في تشرين الثاني من العام 1943 وفتح دار مطرانيته للنواب الذين ثاروا على اعتقال زعماء البلاد في راشيا وقال للفرنسيين "إن الصداقة هي الصداقة، لكن الوطن هو الوطن. فللوطن الأولوية حتى على أعز الصداقات".
وعاهد مطر، شبلي، بأننا لن نتخلى عن المعرفة كنزا ولا عن المحبة سلاما ولا عن الوطنية الصادقة بيرقا ما حيينا، إلى أن يصبح الشرق كله منارة إنسانية وصانع رجاء للعالم المحيط. فكن لنا الشفيع والنصير الهادي وليعطنا الرب أن نبقى لك ولأمثالك أوفياء".