قبل ان تُعرف فلسطين تحت هذا الاسم الذي أعطي لها بعد ان اجتاحتها قبائل استعربت لاحقا مع مرور الزمن، قدمت من جزر البحر المتوسط وبخاصة من جزيرة كريتيا، وقبل ان يقيم فيها ابراهيم الخليل مهاجرا من بلاد ما بين النهرين، وقبل ان يجد حيث حل فيها من موضع ليدفن زوجته في المكان الذي عرف بمغارة مكفيلا في الخليل، وكان تقدمة له من ملكي صادق، ملك وكاهن المدينة الأكبر، قبل ان يولد اسحق وتبدأ سلالته من يعقوب الى داوود وسليمان باني الهيكل، قبل ان يولد اسماعيل ابن هاجر وتنحدر منه قبائل عربية كان منها قبيلة قريش التي منها كان نبي الاسلام محمد بن عبدالله.
وقبل ان تنشأ اليهودية والمسيحية والإسلام، في المساحة الجغرافية المسماة اليوم فلسطين، قبل كل ذلك كان يوجد شعب كنعاني فينيقي يتعاطى التجارة والملاحة مقدما إياهما في التعامل مع غيره من الشعوب على أسلوب الحرب وعمليات الغزو التي كانت قد درج عليها سواهم من القبائل والشعوب والأمم. في كنعان وجد من كان يقدم ذبائح غير دموية من خبز وخمر، كما كان يفعل "ملكي صادق" في مدينة السلام، أورشليم، وذلك قبل ان تتحول هذه المدينة، مع الأسف، الى مدينة تغصّ شوارعها أحيانا ببحيرات من الدماء والأشلاء البشرية على يد الرومان والفرس والعرب والفرنجة والأتراك وغيرهم...
"على شبه ملكي صادق" جاء المسيح اليها بصورة أمير سلام ومحبة وإخاء" فرفضه احفاد اسحق وإسماعيل، تقاتلوا وها هم في أيامنا يعودون الى التقاتل من جديد في الأمكنة عينها وفي دورات تاريخية متشابهة ومتكررة منذ أربعة آلاف سنة، كل فريق منهم يدعي البنوة لإبراهيم، وما كان إبراهيم الا بمثابة لاجىء غريب عن فلسطين، فيما بات صاحبها الحقيقي، الكنعاني، مغيّبا لا لسبب الا لانه إنسان مختلف. لذلك ما دمنا على هذه الحال، وما لم تعد الى هذه الارض روح "ملكي صادق" ملك السلام الكنعاني الذي استضاف ابراهيم أبي جميع المؤمنين من ابناء الأديان التوحيدية الثلاثة، وما لم يقدم له من جديد مكاناً ليقيم فيه كما فعل هو مع "ابراهيم الخليل"، فلن تعرف هذه الارض السلام...
لا سلام في "مدينة السلام" في ظل استمرار التنكّر لمبادئ الحق والعدالة، ولا سلام ما دامت عاجزة عن استيعاب الجميع الأصيلين والضيوف على حد سواء وذلك من دون استبعاد لأحد من مكوناتها البشرية والدينية والحضارية، كما من دون أستئثار من قبل اي من عناصرها بجانب من جوانبها، لتبقى هكذا صورة ومثالا لرحمة الله الواسعة، وللحضارة الانسانية قاطبة، لانها أمانة من اله السلام، رب الكل، في أعناق الأسرة البشرية قاطبة، إله ملكي صادق كما إله ابراهيم إله سلام هو، لا إله حروب متواصلة على مدى التاريخ كما تبدو الصورة حتى اليوم.
أورشليم القدس مدينة سلام تكون اليوم فتصدق معها الأديان التوحيدية السماوية، او لا تكون فيسقط معها الإيمان والرجاء والمحبة، وبالتالي معها تسقط الحضارة الانسانية بكاملها، لينفتح الوجود الإنساني من جديد على مشروع آخر من الانحدار او الارتقاء.