في خطوة مفاجئة، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة القاعدة العسكرية الروسية الرئيسية في سوريا "حميميم"، قبل توجهّه إلى القاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد، لكن الأبرز في هذه الخطوة هو إعلانه رسمياً بدء التحضير لسحب قوات بلاده من سوريا، في مؤشر إلى رغبة موسكو التركيز على مباحثات الحل السياسي بشكل أوسع.
التدخل العسكري الروسي في سوريا بدأ في شهر أيلول من العام 2015، تحت عنوان مساعدة الحكومة السورية على محاربة الإرهاب، بناء على طلب الأخيرة، لكن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن قرار الإنسحاب الجديد ليس الأول من نوعه، حيث سبق لبوتين أن وجه أمراً مماثلاً لوزير دفاعه، في شهر آذار من العام 2016، حيث شدد على ضرورة تكثيف الدور الروسي في العملية السياسية لإنهاء الصراع في سوريا.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن التدخل الروسي في الأحداث السورية ارتبط، منذ البداية، بالمساعدة على إطلاق عملية سياسية قادرة على إنهاء الأزمة التي بدأت في العام 2011، وتوضح أن موقف موسكو لم يتغير منذ ذلك الوقت، وتلفت إلى أنها اليوم ترى أن الفرصة أصبحت متاحة لهذا الأمر، لا سيما مع القضاء على الخطر العسكري الذي يمثله تنظيم "داعش"، في حين أن الأوضاع بالنسبة إلى هيئة "تحرير الشام"، أي الجناح السوري السابق لتنظيم "القاعدة"، مرتبطة إلى حد بعيد بمسار الآستانة.
من وجهة نظر هذه المصادر، الخطوة الروسية لم تكن مفاجئة على الإطلاق، خصوصاً أن أمين مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف كان قد تحدث عنها قبل نحو شهر، في حين كان قد سبقه إلى ذلك رئيس الأركان العامة في الجيش الروسي فاليري غيراسيموف، الذي أعلن أنه من المرجح خفض القوة العسكرية الروسية في سوريا إلى حد كبير وأن انسحاباً قد يبدأ قبل نهاية العام، لكنها توضح أن ما يتم الحديث عنه ليس إنسحاباً كاملاً، حيث ستحتفظ موسكو بتواجدها بالعديد من القواعد العسكرية داخل الأراضي السورية، كما أنها ستكون حاضرة للعودة بقوة متى دعت الحاجة إلى ذلك.
على هذا الصعيد، ترى المصادر نفسها أن الهدف الأساسي من الخطوة الروسية إحراج باقي القوى التي تمتلك قواعد عسكرية في الداخل السوري، لا سيما الولايات المتحدة، خصوصاً أن وجود الأخيرة لا تعتبره موسكو شرعياً بسبب عدم حصوله على موافقة الحكومة السورية الشرعية بإعتراف الأمم المتحدة، وتذكر بأن روسيا، على لسان العديد من المسؤولين، سبق لها أن دعت تلك القوى إلى سحب قواتها العسكرية من سوريا، وتضيف: "اليوم موسكو تقول بأن الحجة التي دفعت الكثيرين إلى التدخل العسكري في سوريا انتهت"، وتشير إلى إعلان وزارة الدفاع الروسية، يوم الخميس الماضي، أن الجيش الروسي "أنجز" المهمة في سوريا وأن هذا البلد "تحرر بالكامل" من تنظيم "داعش".
إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر المطلعة أن أمر بدء التحضير للإنسحاب، الذي تم التمهيد له مسبقاً، ربما يكون بُحث خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا، وتعتبر أن لا تأثيرات عسكرية له على أرض الواقع، لكنها تؤكد أن تداعياته السياسية ستكون كبيرة، لا سيما أن موسكو تسعى إلى أن تكون راعية لمفاوضات سورية-سورية لحل الأزمة، من خلال مؤتمر سوتشي الذي تم تأجيله إلى شهر شباط المقبل.
في المحصّلة، تريد موسكو من خلال هذه الخطوة العسكرية التحضير لمرحلة جديدة على المستوى السياسي، ودفع مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين إلى هذا المكان، فهل تنجح في ذلك؟.