ابلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نظيره التركي رجب طيب اردوغان مشاركته في القمة الاسلامية الطارئة التي دعت اليها تركيا، في سبيل بحث قضية القدس بعد قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب. رأى البعض في المشاركة اللبنانية على صعيد رئيس الجمهورية امراً غير ضروري، وانه كان بالامكان الاستعاضة عنها بمشاركة وزير الخارجية جبران باسيل، خصوصاً وان الاخير يتشاطر الافكار السياسية نفسها مع الرئيس، او عبر رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يحظى بثقة عون (التي تعززت بعد الازمة الاخيرة)، وينسّق معه في كل الخطوات، وبالتحديد في السياسة الخارجية.
ولكن، لا يمكن النظر الى الامر من وجهة نظر واحدة. فعلى الرغم من ان مشاركة لبنان او غيره من الدول في القمة لن تؤثر بشكل عام على مجريات الامور، كان من المهم للغاية، وفق مصادر مطلعة، ان يشارك لبنان على مستوى رئيسه لجملة اسباب لا يمكن تعدادها، انما يمكن ذكر البعض منها:
-ان الرئيس اللبناني هو الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، وتواجده في قمة اسلامية طارئة دعماً للقدس، يشير بما لا يقبل الشك الى ان الاهمية لهذه المدينة بالنسبة الى الشرقيين، لا تقتصر فقط على المسلمين بل تتكامل مع المسيحيين ايضاً، وتصب في الخانة نفسها التي تكلم بها البابا فرنسيس لناحية احترام خاصية القدس.
-ينطلق عون من مبدأ لبناني، انما لا يمكن اغفال او انكار مناداته منذ فترة غير قصيرة بالاهتمام بالقضية الفلسطينية، وهو ما قاله بوضوح امام الجامعة العربية خلال زيارته الى القاهرة، وكرّره في اكثر من مناسبة. وفي حين ان المسألة الفلسطينية لا تقتصر فقط على لبنان، الا انه من الدول القليلة جداً التي تتحمل بشكل مباشر تأثير هذه القضية على الصعد كافة: العسكرية والامنية والسياسية والاجتماعية، فحدوده المشتركة وتواجد اللاجئين الفلسطينيين بأعداد كبيرة على ارضه كفيلان بإثبات قدرة التطورات هناك على الاوضاع في لبنان.
-من الممكن ان يشكّل اللقاء في اسطنبول من اجل قضية القدس، تبديد الصورة المعيّنة التي اعطيت لعون على انه معادٍ للدول الخليجية، وتحديداً بعد المشكلة التي تعرّض لها الحريري وادّت الى نوع من التوتر بين رئيس الجمهورية والسعودية، حيث تم اتهامه بأنه موالٍ لايران ومعاد للقضايا العربية. وتواجد عون في القمة الاسلامية من أجل قضية محورية بالنسبة الى العرب، قد يكون صورة مغايرة لتلك التي رُوّجت له على انه ينصب العداء للعرب.
-بات عون يحظى باهتمام الدول، بسبب المواقف التي اتّخذها خلال الازمة التي لاحقت الحريري، والتي تميّز فيها عن غيره من الرؤساء، وبات الجميع يرغب في سماع ما يريد قوله، أكان مؤيداً ام معارضاً له، كي يبني على الشيء مقتضاه.
-لن تؤثر مشاركة عون على المنحى العام للقمة او لما سيخرج عنها، ولكن هذا الحال ينطبق على جميع الحاضرين فيها، وبالتالي من الافضل ان يتمثل لبنان برئيسه ليعكس مدى الاهمية التي يوليها لهذه القضية الاساسية بالنسبة الى العرب جميعاً، وللتشديد على ان ما يقوله لبنان حول هذه الازمة ليس مجرد كلام في الهواء، انما يعني كل كلمة، ويرغب في تحسين فرص القيام بشيء ما مختلف هذه المرة، لا يقتصر على الدعم الكلامي، بل ربما يصل الى حدّ الدعوة الى قيام تحالفات دبلوماسية شاملة وعامّة للردّ بما أمكن على قرار ترامب الذي قلب الامور في المنطقة.
-لم يكن من الممكن ان يغيب رئيس الجمهورية اللبناني عن هذه القمة، فهو الذي يتولّى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها (ولو بالاتفاق مع رئيس الحكومة) وفق ما ينص عليه الدستور اللبناني، وبالتالي من المهم ان يشارك في القمة التي يمكن ان يصدر عنها قرارات قد تلزم لبنان ببعض الامور او التدابير.
باختصار، من المهم تواجد عون في القمّة الاسلاميّة وخصوصاً عند عرض موضوع بالغ الحساسيّة والاهميّة كمسألة القدس ووضعها، والعمل في سبيل انقاذها على اكثر من صعيد.